تدوين السنة في عهد الصحابة والتابعين
تدوين السنة في عهد الصحابة والتابعين
يشمل حفظ السنة النبوية مرحلتين: مرحلة الاستقبال والحفظ ومرحلة الحصر والجمع، واعتمد توثيق السنة في زمن تلقي السنة من فم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على الجمع بين التدوين على الأوراق والحفظ الشفهي عن ظهر قلب، فأما الكتابة فهي أوثق وأضمن في نقل المحفوظ، وقد شاع بين كثير أحاديث للنهي عن كتابة السنة واتخذوها حجة للطعن في صحة كتب السنة، وكل هذه الأحاديث لم تثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأكثرها تداولًا موقوف عند الصحابي أبي سعيد الخدري وهو قوله: “لا تكتبوا شيئًا غير القرآن ومن كتب شيئًا فليمحه”، فهذا رأي خاص به خالفه أكثر الصحابة، أما ما ثبت رفعه إلى النبي فهو إذنه بكتابة حديثه كما في مسند أحمد: “اكتب فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلا الحق”، بل وأمر الرسول نفسه بكتابة أشياء من السنة هي بعض أحكام في العبادات أو رسائل للملوك أو عقود ومعاهدات، وقد تتبَّع المؤلف منها أكثر من ٤٥ رسالة، وجمع بعضها الدكتور محمد الصبحي في رسالة بعنوان “مرويات الوثائق المكتوبة من النبي (صلى الله عليه وسلم)”، وكان ابن عبد الله بن عمرو يكتب كل شيء يسمعه من النبي حتى تفوَّق على من هم أكبر منه سنًّا.
ودرج التابعون على كتابة ما تلقوه عن الصحابة واستفاضت أخبارهم في ذلك، وصحَّ في غير موضع عن بشير بن نهيك أنه كان يكتب كل ما يسمعه من أبي هريرة ثم عرضه عليه حين أراد مفارقته فأقرَّه، وكتب سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن عمر حتى كان يكتب على نعله واسطة رحله إذا لم يجد ما يكتب عليه، وبهذا يتبيَّن كذب المستشرقين في زعمهم بأن كتابة السنة لم تتم قبل منتصف القرن الثاني.
الفكرة من كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
السنة النبوية هي جملة الأخبار المروية عن النبي (صلى الله وعليه وسلم) ونُقِلت إلينا مباشرة أو بواسطة، وكان الغمز فيها والتشكيك في موثوقية مصادرها محصورًا في أبحاث المستشرقين وذيولهم ممن تأثروا بكتبهم، ولكن صارت موجة التشكيك في السنوات الأخيرة ذائعة وتلقى آذانًا صاغية نتيجة الابتعاد عن منابع الشريعة الأصلية ومظاهر التفلُّت من أحكامها بضغط الثقافة السائدة مع تفشي الجهل بالأسس والمنهجيات التي دُوِّنت بها السنة ونقلت.
وفي هذا الكتاب يوضح المؤلف الأدلة العقلية على ثبوت الأحاديث النبوية وصحة نسبتها إليه منذ خرجت من فمه الشريف (صلى الله عليه وسلم) مروروًا بعمليات التدوين والنقل والرواية والجمع حتى وصلت إلينا في دواوينها المعروفة، بما ينفي الريب عن المُشكِّك ويزيد إيمان المتيقِّن.
مؤلف كتاب دلالة العقل على ثبوت السنة النبوية من جهة النقل والرواية
وُلد الشيخ محمد بن خليفة الرباح في العاصمة الليبية طرابلس عام ١٩٧٤، وبدأ دراسته في مدرسة “النور القرآنية” حتى ختم القرآن الكريم، وكان له اهتمام بمؤلفات الشيخ الألباني، ثم هاجر عام ١٩٩٠ إلى سوريا والأردن والسعودية، فدرس على يد عدد من العلماء، من أمثال: الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، وكتاب “إرشاد طلاب الحقائق” للنووي، وأخذ شرح كتاب “الباعث الحثيث” على يد الشيخ محمد عيد الدمشقي، كما لازم مجالس الشيخ ابن باز خلال مواسم الحج، وأخذ العلم الشرعي على كثير غير هؤلاء، وله مؤلفات ومحاضرات في العقيدة والفقه والسير وتحقيق الأخبار، ومنها: “التفويض في الصفات الإلهية بين أقوال السلف ودعاوى الخلف”، و”موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من تارك الصلاة”.