تدمير الزراعة الأفريقية
تدمير الزراعة الأفريقية
لعلَّ أفريقيا اليوم هي إحدى أبرز الظواهر الاقتصادية المعقَّدة، فمن ناحية تمتلك القارة العديد من الموارد الطبيعية والبشرية، ومن ناحية أخري تتعثَّر في أذيال الفقر والتخلُّف والمجاعات والحروب والأمراض، ومما يُندَب له أنها كانت إبان حقبة الستينيات سلَّة الغذاء للعالم، وباتت اليوم بعض دولها مستوردًا صافيًا له! وبالرجوع إلى تلك الحقبة نجد أن الحكومات الأفريقية لم تلبث أن نالت استقلالها السياسي حتى شرعت في تثبيت أركانها ونزع الاعتراف الدولي عبر تدعيم موقفها الاقتصادي، لا سيما أن مفاصل القطاع الاقتصادي كانت حتى ذلك الوقت بأيدي الأجانب، فبدأت أفريقيا معركتها لتحرير الاقتصاد من براثن المخالب الاستعمارية، فعملت على ما يشبه المصالحة مع المزارعين فخفضت الضرائب وزادت من الدعم المقدَّم لهم واستجابت الحكومة وقتها لطموحات الفلاحين.
بقدوم الثمانينيات بدأ كل شيء في التحوُّل وبدا أن أفريقيا على أعتاب تحوُّل جذري خطير سيقضي على بوادر تلك النهضة الاقتصادية بالبلاد، بدأت القصَّة كالعادة عبر سياسات البنك الدولي الذي أخذ على عاتقه مهمة نشر الأفكار الرأسمالية الحديثة (النيوليبرالية) في دول العالم أجمع، فكانت أفريقيا بذلك إحدى فرائس سياساته الخاصة بالتكيُّف الهيكلي، والتي تعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد من جديد، فارتفعت مديونية الدول والتهمت مخصَّصات خدمة الديون النصيب الأكبر من الموازنة العامة، ومع تزامن تلك الأحداث مع الارتفاعات المتكرِّرة في أسعار النفط والتي عصفت بموازين المدفوعات وزادت من هيكل النفقات كان من الواضح دخول القارة نفق الأزمة.
لم تكن الزراعة الأفريقية بمعزل عن كل تلك الصدمات، حيث انخفض الإنفاق الحكومي على القطاع الزراعي بأكثر من 50%، ومما زاد الأمر سوءًا الركود الذي أصاب البلاد بالشلل، مما سبَّب خللًا ديموغرافيًّا نتج عن نزوح الكتل البشرية من الريف إلى المدن بعدما فقد القطاع الزراعي بريقه، بالإضافة إلى تهالك البنية التحتية للطرق وشبكات الري ومصارف المياه فبدأت بذلك طموحات الفلاحين تتلاشى كالسراب، وإذا كانت الزراعة أصيبت بالشلل جرَّاء ما سبق فإن الأسوأ لم يأتِ بعد! حيث كان الانضمام لمنظَّمة التجارة العالمية والتدخُّل الحكومي بتحرير التجارة وفتح الأسواق أمام المنتجات الزراعية بمثابة المسمار الأخير في نعش النهضة الزراعية في أفريقيا، حيث فضَّلت الحكومات اللجوء إلى الاستيراد بدلًا من دعم السوق المحلية.
الفكرة من كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
يعاني اليوم أكثر من مليار ومئة مليون نسمة الجوعَ وسوء التغذية، إلا أن ذلك يحدث في وقت يُنتج فيه العالم من الغذاء ما يكفي لإطعام سكان الكوكب كافة، فما المشكلة إذًا؟!
يناقش هذا الكتاب قضية الأمن الغذائي وأبعادها المتعلقة بتكنولوجيا الزراعة الحديثة، بالإضافة إلى الأطراف الفاعلة في صناعة الجوع القائمة على أشدها، كما يتطرق إلى نضال الدول والشعوب في الحصول على حقها في الغذاء وصراعها مع أطماع مافيا الغذاء وسياسات المؤسسات الدولية الكبرى، التي تتعمد وأد كل محاولة من شأنها أن تمنح الدول النامية حقها في الاستقلال الغذائي حتى لا تخرج بذلك عن فلك التبعية.
مؤلف كتاب حروب الغذاء.. صناعة الأزمة
والدن بيللو Walden Bello: ولد في 11 نوفمبر 1945 في الفلبين، حصل على الدكتوراه في علم الاجتماع، وعمل أستاذًا في مجاله بجامعة الفلبين، كما أنه مؤسس معهد دراسات جنوب العالم وعضو اللجنة الدولية للمنتدى الاجتماعي العالمي، واختارته الجمعية الدولية للدراسات أبرز علماء الاجتماع في العالم 2008م.
له العديد من الكتب والدراسات والأبحاث والتحليلات السياسية عن أزمات النظام الرأسمالي العالمي، وأزمة الغذاء، والأزمة المالية، ورؤية نقدية لمنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعن الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق.