تدمير البنية الاقتصادية والاستيلاء على الأرض
تدمير البنية الاقتصادية والاستيلاء على الأرض
كانت سياسات التجويع وتدمير البنى الاقتصادية مستمرة لا تنقطع، ففي غارة واحدة كما يقول جيمس إكستل في كتابه “ما بعد كولومبوس” أتلف المستوطنون كمية من الذرة تكفي لإطعام أربعة آلاف إنسان مدة عام كامل، وكان موتى الهنود في هذا العام أكثر من كل موتاهم خلال 15 عامًا مضت، بالإضافة إلى التسميم الجماعي، ومع ذلك فقد دعا المستعمر إلى الإبادة المباشرة وتبنَّت المستعمرات خطة مشتركة أطلقها وليم بيركلي حاكم فيرجينيا بتنظيم حملات إبادة لكل البالغين من الذكور وتمويل تلك الحملات من عائد بيع الأطفال والنساء في سوق العبيد.
أما عن الأرض فقد اقترح جورج واشنطن عقد اتفاقيات مع الهنود بقصد الاستيلاء على الأراضي والمناطق الاستراتيجية في مقابل عدم المساس بما تبقى لهم من أرض ووعدوهم وعودًا زائفة ببذل جهد لوقف الاستيطان وعمليات صيد الهنود، حتى إن وعود المفاوضين من المستعمرين كان يجب أن تكون شخصية وغير ملزمة للحكومة الأمريكية التي سلكت طريق إبادة آخر أخذ من الهنود أكثر مما أخذت الأوبئة والحروب، فقد انتهى بهم الأمر إلى الترحيل القسري وتم سلبهم حتى حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقيات، وكان الترحيل دائمًا إلى غرب نهر المسيسيبي حيث لم يكن المستعمر يطمع في تلك الأراضي بعد.
رأى المستعمر أن غرب المسيسيبي الصحراوي سيكون منفى مناسبًا للهنود، وقد اعترفوا في اتفاقياتهم أن السهول الكبرى منطقة هندية ذات سيادة في عام 1851، ولكن بعد اكتشاف الذهب في تلك الأنحاء توجهت أعين المستعمر إلى تلك المناطق وتهاوت وعود الوطن المخصص للهنود فزوَّرت الحكومة الفيدرالية عام 1861 وثيقة تنص على تخلي الهنود عن تسعين بالمائة من أراضي السهول الوسطى، وعندما رفض الهنود الإقرار بها بموجب الاتفاقيات القديمة بحوزتهم اعتبرت الحكومة ذلك خرقًا للمعاهدة من قبل الهنود وإعلانًا للحرب.
الفكرة من كتاب أميركا والإبادات الجماعية
“تاريخنا مكتوب بالحبر الأبيض، إن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، ويا الله! ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض، هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها وسيواجهها الفلسطينيون، فإن جلادنا المقدس واحد”.. بهذه الشهادة لمايكل هولي أحد نشطاء هنود شعب سو عام 1996 يبدأ منير العكش كتابه الذي يجمع فيه عددًا كبيرًا من الشهادات لمعرفة تاريخ الشعوب الأصلية في أمريكا من الهنود الحمر، تاريخ مائة واثني عشر مليون إنسان لم يبقَ منهم سوى ربع مليون في أول القرن العشرين، في الوقت الذي يوهمنا فيه تاريخ المنتصر بروايات الأرض الفارغة، ووحشية الشعوب الهندية، والخسائر الهامشية في سبيل تحقيق أقدار الله.
مؤلف كتاب أميركا والإبادات الجماعية
منير العكش: ناقد وباحث وأستاذ الإنسانيات ومدير الدراسات العربية في جامعة سفك في بوسطن، ومؤسس مجلة “جسور”، كان لتاريخ الهنود الحمر نصيب كبير من اهتمامه وبحوثه بالإضافة إلى ظاهرة الصهيونية غير اليهودية.
ألف كثيرًا من الكتب منها: “أميركا والإبادات الجنسية”، و”عن الشعر والجنس والثورة” بالمشاركة مع نزار قباني، و”الثقافة ومقاومة الموت”.