تخطي البرجوازية.. من القاعدة إلى القمة
تخطي البرجوازية.. من القاعدة إلى القمة
إن المطالب القومية بالتحرر والاستقلال لا تأتي دائمًا في البداية، بل تسبقها تفاصيل مثل تعديل قوانين العمالة، وتحسين الأوضاع السياسية، لكن حينما تأتي الكلمات الكبيرة، نرى النخبة من القادة والمثقفين غير متأهبة، هذا يرجع إلى فقدانهم لأي رابطة مع شعبهم، هذه الطبقة الكسولة هي التي تتقدم في نهاية عهد الاستعمار لاستلام القيادة، لكنها مخدوعة بنفسها ومثيرة للشفقة، تريد أن تقارن نفسها ببرجوازية الاستعمار، كان يجدر بهذه النخبة أن تُسخر كل ما حصلته من جامعات المحتل وكتبه، في خدمة الثورة، لكنها هرمة ومرفهة للغاية، تشبه برجوازية الاحتلال في نهايتها، ولذلك عندما تقود عهد الاستقلال، نراها ترسل نداءات خافتة خائفة إلى البلد المحتل، تطلب المعونة من أساتذتها، تصبح وسيطًا يضمن مصالح المستعمِر، وهي، مع ضعفها هذا، تتمسك بتأميم كل شيء، لأنه يمثل لها مجرد نقل للامتيازات لا أكثر، لا تفكر هذه الطبقة في أي ابتكارات، إنها تُبقي الحال كما تركه الاستعمار، هذه الشراهة نحو تأميم كل شيء، تنتقل بدورها إلى طبقات العمال والحرفيين، غير مُرحب بالإفريقيين من خارج البلد، يتحول الأمر إلى تعصب عرقي حاد، ويجد المتحررون أنفسهم في النهاية، يلقبون بعضهم كما كان يفعل المحتل.
على المستوى السياسي، تظهر البرجوازية عاجزة أيضًا، نراها تمضي إلى أيسر الحلول بنظرها، فتتبنى سياسة الحزب الواحد، هذه السياسة سرعان ما تنقلب إلى ديكتاتورية غاشمة، تتخفى هذه البرجوازية خلف الأبنية الضخمة، التي لا تتعلق بواقع الشعب، إنما يُقصد بها الهيبة، هذه المرحلة لا تضيف شيئًا إلى الشعب الجائع، ولذلك يجب على شعوب ما بعد الاستعمار تخطيها، ربما تظن الجماهير، نتيجة للأبنية الضخمة والعاصمة المهيبة، صلابة هذه الطبقة، ومناطحتها لبرجوازية الاستعمار، إلا أنها في حقيقتها هشة للغاية، ولتجنب براثن هذه المرحلة، فإن على الثورة منذ أيامها الأولى أن تراعي اللا مركزية، على الحزب أن يركز توزيع الامتيازات على المدن الداخلية، يجب أن يبتعد أعضاء الحزب عن العاصمة قدر الإمكان، عليهم أن يغزوا الأرياف، من الضروري أن يظل الاتصال بين الشعب والحزب فعالًا، وأن تُعبر كل أفعاله عن هذه الجموع، لا تفرض عليهم الأبنية والإصلاحات من أعلى، لا يتمثل الحزب في أذهانهم كأقصر طريق للسلطة، حينها يستطيع العامة أن يفهموا ما يُحاك لهم، وفي المرة القادمة عندما يبدأ البرجوازيون في الحديث بلغتهم الغامضة، سيدرك الناس أنهم يخططون لنهب شيء ما.
الفكرة من كتاب معذبو الأرض
كان المحتلون في البداية يملكون الكلمة؛ يهتفون ويردد المستعمَرون وراءهم، تقودهم النخبة المُصطفاة من المستعمِر، كان ذلك عصر الإخضاع؛ عصرًا أوروبيًّا بامتياز، وإذا بتلك الأسنان البيضاء الناصعة تتحرك من تلقاء نفسها، تتكلم، وتُحاجج الأوروبي بقيمه التي فرضها، وكان ذلك عصر التجاهل، ثم تعالت تلك النبرة، واستحالت إلى صراخ، وتشنجت العضلات في البداية، بدأ العبيد يتحسسون أجسادهم، إنهم بشر أيضًا، وها هو عصر الغضب.
يتحدث فانون -المؤلف- كثيرًا عن الأوروبيين، ولكنه يتوجه بحديثه إلى قومه في العالم الثالث حصرًا، إنه لا يهتم بالمجازر ولا يستنكر ما فعلته أوروبا، إنه فقط يستخدمها، يشرح لإخوته: “إذا كانت وسيلة المستعمِر هي القوة، فليس أمامنا سوى العبودية أو السيادة”.
مؤلف كتاب معذبو الأرض
فرانز عمر فانون: طبيب نفسي وفيلسوف اجتماعي، وُلد عام 1925م في جزر المارتينيك، التحق بالمدرسة الطبية في ليون، عمل طبيبًا عسكريًّا في الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي، انضم وقتها إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية بشكل سري، ليستقيل من عمله مُعلنًا انضمامه للجبهة، تُوفي عام 1961م مُتأثرًا بسرطان الدم، ودُفن في مقبرة مقاتلي الحرية بالجزائر كما أوصى، أعماله الأخرى:
بشرة سمراء وأقنعة بيضاء.
استعمار يحتضر.
معلومات عن المترجم:
سامي الدروبي: سياسي وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي سوري، كان عميدًا لكلية التربية في جامعة دمشق، عُين وزيرًا للمعارف، اشتهر بترجمته لأعمال كتاب روسيا الكبار، مثل دوستويفسكي وتولستوي وغيرهما.
جمال الأتاسي: كاتب ومترجم وسياسي سوري، حصل على الدكتوراه في الطب النفسي من فرنسا، وكان من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، عُين وزيرًا للإعلام في وزارة صلاح البيطار.