تحوّل حرَّاس السجن من أداء دور تمثيلي إلى تقمص الدور فعليًّا
تحوّل حرَّاس السجن من أداء دور تمثيلي إلى تقمص الدور فعليًّا
بسبب التوتر الذي ساد العلاقة بين السجناء والحرَّاس، شكل زيمباردو لجنة لتلقي الشكاوى من السجناء، فاختاروا ثلاثة من بينهم لعرض الشكاوى، التي تمثلت في أن الطعام غير كافٍ، وأن الحرَّاس يعتدون عليهم جسديًّا ولفظيًّا، وحاجة بعضهم إلى تلقي خدمات دينية. بعد تلقي الشكاوى أخبرتهم اللجنة أنها سوف تعمل على توفير طلباتهم، وفي المساء جاء آمر السجن ليخبر زيمباردو أن أحد السجناء في حالة انهيار واضطراب شديدة، ويريد الانسحاب من التجربة، تقابل زيمباردو معه، وأخبره أنه في حال آثر الاستمرار في التجربة سوف يمنع الحرّاس من مضايقته، كما سيعطيه مزيدًا من المال إذا تعاون مع إدارة السجن، ومدهم بالمعلومات التي يحتاجون إليها عن بقية السجناء!
قَبِلَ السجين المنهار العرض، وعاد إلى السجن مرَّة أخرى، وكان بقية السجناء في استقباله لمعرفة ما دار بينه وبين إدراة السجن، فأخبرهم بصوت مرتفع: “لم يتركوني أخرج، لا يمكن الخروج من هنا!”، وقع كلامه عليهم كالصاعقة، ومنذ تلك اللحظة شعر السجناء أنهم ليسوا في محاكاة لسجن حقيقي، بل هم سجناء بالفعل، لقد فقدوا حرية الانسحاب متى يريدون! لم تمر عدّة ساعات، وانهار السجين نفسه مرَّة أخرى، وأخذ يصيح أنه لم يعد في مقدوره الصمود لليلة أخرى، لقد انهار بشكل كُلّي في غضون 36 ساعة فقط منذ بدأ التجربة! بعد التشاور وافق زيمباردو على إطلاق سراحه.
في اليوم التالي بدا حُرَّاس السجن أكثر تقمصًا للدور الذي يؤدونه، فأصبحوا أكثر عدوانية ووحشية تجاه السجناء، إذ كانوا يعاقبون بشدة من لا يطيع أوامرهم، فكانت النتيجة شعور السجناء “بضياع الشخصية” وهو اضطراب يشعر فيه الإنسان بأن إحساسه وأفكاره ورغباته غريبة عنه، كما بدأت تظهر على السجناء أعراض “التهمة الأولى”، وهي أعراض نفسية ناتجة عن الشعور بالذل والمهانة على أيدي الغرباء في ظروف قهرية مثل الخدمة العسكرية والاعتقال لأول مرّة!
الفكرة من كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
إذا ارتكب أي فرد فعلًا شائنًا أو ارتكب أي جريمة، فعلى الفور تتوجه أصابع الاتهام إلى طبيعته الإنسانية وجيناته وطباعه وميوله وفقًا للتفسير النزوعي، لكن زيمباردو يعارض هذا التفسير، ويستعيض عنه بالتفسير الظرفي للسلوكيات البشرية، إذ يرى أن الضغوط والقوى الظرفية والمواقف التي يتعرض لها الإنسان لها قدرة كبيرة على التأثير في سلوكه، ومن ثمَّ فهو يؤكد على أن الامتثال للمجموعة والانصياع للسلطة يمكن أن يهيمن على روح المبادرة في الفرد ويدمرها، وبين ذلك من خلال تجربة “سجن ستانفورد“
تلك التجربة التي كشفت لنا كيف يمكن لبشر عاديين وصالحين -قد نكون أنا وأنت منهم- أن يسقطوا ويرتكبوا أفظع الجرائم، ويقوموا بأفعال فاسدة ومؤذية ضد الآخرين، لذا فهو يقترح تبني نموذج الصحة العامة بدلًا من نموذج معالجة المرضى، ويؤكد على أن فهم دور الموقف والنظام في توجيه سلوك الفرد لا يعني إعفاءه من مسؤولية التورط في أفعال شريرة أو غير أخلاقية أو غير قانونية، ومن ثم فإن الكتاب محاولة لفهم سلوكيات البشر الشريرة، وليس تبريرًا لأفعالهم.
مؤلف كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
فيليب زيمباردو: هو أستاذ علم النفس المتقاعد بجامعة ستانفورد، وسبق له التدريس في العديد من الجامعات الأمريكية، تولى منصب رئيس جمعية الطب النفسي الأمريكية، وهو مدير مركز ستانفورد للسياسات الانضباطية والتعلم وأبحاث الإرهاب، ومن مؤلفاته:
The Shy Child: Overcoming and Preventing Shyness from Infancy to Adulthood
Shyness: What It I, What to Do About It
Psychology and Life
معلومات عن المترجم:
هشام سمير عناية الله: هو مترجم وباحث مصري، تخرج في كلية اللغات والآداب بجامعة ميلانو بإيطاليا، وتخصص في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن ترجماته:
مختصر تاريخ الجنس البشري.
الحرب الهادئة.. مستقبل التنافس العالمي.
بنات إبراهيم، الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام.