تحولات العصر الحديث
تحولات العصر الحديث
ما الذي اختلف في عصرنا؟ هذا السؤال دائمًا ما كان بداية أي نقد للحداثة وما بعدها، والإجابة تمنحنا تصورًا عامًّا لملامح المأزق الحالي، أصابت عالمنا الحديث خمسة تحولات كبرى، التحول الأول هو تحول الأبنية والأطر الاجتماعية والمرجعيات الدينية والأخلاقية وغيرها من حالة الصلابة والشكل ذي المعالم الواضحة إلى حالة السيولة التي لا تصلح لأن تكون أرضًا صلبة لبناء المفاهيم والسلوكيات.
والتحول الثاني هو وقوع الطلاق بين السياسة والسلطة، فأصبحت السلطة لا توجه سلوكيات الأفراد وأفكارهم ناحية ما يجب عليهم فعله، بل يتم توجيهها من الشركات الكبرى الاستهلاكية في عالم يخضع إلى مركزية السوق، أما التحول الثالث فهو نتيجة للثاني، فتخلي السلطة عن السياسة قلص من دور الدولة الاجتماعي، فتخلت عن مسؤوليتها عن الطبقات الدنيا والمتوسطة وتركت توفير الحماية وإتاحة الفرص العادلة إلى قطاع خاص من الخدمات، مما أدى إلى تكوين علاقات هشة بين الأفراد مبنية على اللذة اللحظية المستهلكة وعلى المنافسة والخوف.
التحول الرابع وقع في عالم الأفكار، فقد فقدنا التخطيط الطويل الأمد والتفكير بالآمال البعيدة بسبب غرقنا في اللحظة الحالية واختفاء اليقين والمعنى من العالم ووجودنا، أما التحول الأخير فكان كارثيًّا، أن يترك الفرد بمفرده أمام العالم ومشكلاته الكبيرة، وعليه أن يتمتع بالقدر الكافي من المرونة لا لحلها بل للتكيف مع مختلف الظروف والحالات التي تفرض عليه من الخارج، فاختفت مسؤولية الفرد الأخلاقية وحلت مكانها النفعية.
الفكرة من كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
يعيش عالمنا الحديث حالة استثنائية في تاريخ وجودنا البشري، بسبب التحولات الكبيرة التي أصابت البنية الاجتماعية والمرجعيات الأساسية التي استندت إليها البشرية لسنوات، فكل القيم والأطر الصلبة المتماسكة ذات المعالم الواضحة تحولت إلى سوائل تتشكل حسب حاجة القوى العملاقة المتصارعة في زمن العولمة.
ما تلك التحولات الرئيسة؟ وما أثر ذلك في الفرد البسيط في حياته اليومية؟ كيف جعلت تلك التحولات علاقاته هشة ومخاوفه كبيرة حتى مع زيادة التكنولوجيا وإجراءات الأمان، وما الذي يغذي حالة اللا يقين المسيطرة على الأفكار؟ وكيف حولنا النظام الاقتصادي الذي بنيناه إلى مجرد أشياء؟ كل ذلك هو ما يحاول كتابنا الإجابة عنه!
مؤلف كتاب الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللايقين
زيجمونت باومان، ولد في عام 1925م ببولندا لأبوين يهوديين، وهو بروفيسور في علم الاجتماع من جامعة ليدز، استقر في انجلترا منذ عام 1971م بعد طرده من بلاده بسبب آرائه عن الهولوكوست، تناول في تحليلاته الاستهلاكية والمادية قضايا الحداثة وما بعدها، ووقف أمام حركة العولمة، وعارض وجود إسرائيل وانتقدها علنًا، ذاع صيته في التسعينيات، وتوفي عام 2017م.
من أهم أعماله ” الثقافة السائلة” و”الحب السائل: عن هشاشة العلاقات الإنسانية” و“الأزمنة السائلة: العيش في زمن اللا يقين”
معلومات عن المترجم:
حجاج أبو جبر، أستاذ النقد المصري، ولد في عام 1977م بالجيزة، درس الأدب الإنجليزي وحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة، له العديد من الإسهامات المقالية النقدية مثل “الحداثة في خطاب عبد الوهاب المسيري” وسيميولوجيا العدد” ، وترجم كتبًا مثل “عن الله والإنسان” و”الحب السائل”.