تحقيق الذات وتدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية
تحقيق الذات وتدمير العلاقات الاجتماعية والأسرية
تشير كثير من الدراسات إلى أن انتشار الفلسفة الأنانية والنظريات الذاتانية ساهمت بشكل كبير في تدمير الأسر والروابط الاجتماعية، ولا عجب من ذلك إذا علمنا أن “الأدب الذاتي” شغله الشاغل الصراع بين الأزواج أو بين الأبناء والآباء، والانحياز إلى القيم التي تشجع على الطلاق والانفصال عن الأسرة تحت شعار الاستقلالية والنمو وتحقيق الذات! ومن المثير في جلسات العلاج النفسي أن المعالجين النفسيين يسلِّمون تسليمًا تامًّا بما يقوله مرضاهم، كأن ما يقولونه حقيقة مطلقة، وتعد تلك الثقة المفرطة بما يسرده المرضى من قصص، أحد إشكالات العلاج النفسي، لأن أغلبها قصص غير صحيحة!
وقد لوحظ أن المعالجين النفسيين يميلون في جلسات العلاج إلى الانحياز التام إلى القيم المعادية للأسرة والمجتمع، وقد تفاقم هذا الأمر لأن غالبية المعالجين النفسيين مطلقون أو منفصلون عن عائلاتهم، أو معادون للدين والقيم الدينية، كما يضغطون على المرضى في أثناء عملية العلاج لإيجاد أية ذكريات عن إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة، هذا في الوقت الذي يؤكد فيه علماء النفس أن جميع ذكريات الكبار عن الطفولة لا يمكن الاعتماد عليها البتة، لأنها تختلط بقصص سمعوها من الآخرين أو أشياء شاهدوها في الأفلام، وقد اعترف عدد غير قليل من المرضى أنهم اختلقوا ذكريات مأساوية بسبب ضغط المعالج عليهم.وقد أدى هذا التشجيع على الطلاق والانفصال من أجل تحقيق الذات إلى تدمير الأطفال نفسيًّا، ووصل الأمر أنه في حال شعر أحد الوالدين أن تحقيقه لذاته يمكن أن يتأثر سلبيًّا بالوالدية أو الزواج، فإنه يقرر الانفصال والمغادرة على الفور!
ومنذ عقود كانت سهام الذاتانية موجهة نحو كراهية الأب كونه المتسلط المهيمن، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت الأم في مرمى الذاتانية، وتتعرض حاليًّا لوابل من القصف بوصفها المهيمنة المتلاعبة العاطفية، وأصبح الواجب الأساسي في مجموعات التعافي أن ينقد كل فرد فيها الوالدين وأفراد الأسرة الآخرين ويهاجمهم، ويتهم العائلة بأنها مختلة وظيفيًّا، حتى وصلت نسب الأسر التي توصم بأنها لا تؤدي دورها أو مختلة وظيفيًّا إلى 94% من العائلات حول العالم! وهي ادعاءات سخيفة لا تقوم على أدلة أو إحصاءات، ومن يروج لها محتالون يبيعون حلولًا وهمية للمرضى!
الفكرة من كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
شاعت في السنوات الماضية عبارات مثل: “أنت تستطيع“، “يمكنك أن تفوز“، “ليس هناك مستحيل“، كما رُوِّج لمصطلحات مثل: “تحقيق الذات” عن طريق المقالات والكتب والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي والدورات التدريبية والمحاضرات، وحتى الأفلام والمسلسلات، وكلها تدور حول التمركز حول الذات وتقديم وصفات أشبه بالوجبات السريعة لتحقيق الأهداف الفردية وبلوغ النجاح في الحياة،
هذا بغض النظر عن تأثيرات ذلك في المجتمع، ومنبع كل ذلك هو علم النفس الذاتي الذي يمجد القيمة الفردية الشخصية، ما يجعل الإنسان يدور في فلك نفسه فقط، باحثًا عن الفائدة والمنفعة في أي علاقة إنسانية، وقد نتج عن ذلك العزلة والوحدة، ومن هنا يهدف هذا الكتاب إلى وضع علم النفس في حجمه الحقيقي، وإزالة الهالة الكاذبة التي تحيط به، ويوضح أن علم النفس تحول إلى دين وأيديولوجيا، وأصبح يعتمد على المشاعر أكثر من اعتماده على العلم، فصار جزءًا من مشكلة المجتمع المعاصر، وليس جزءًا من الحل.
مؤلف كتاب علم النفس دينًا.. مذهب عبادة الذات
بول سي. فيتز: هو عالم نفسي أمريكي، وأحد كبار الباحثين في جامعة Divine Mercy في سترلينج بولاية فيرجينيا، وهو أستاذ فخري لعلم النفس بجامعة نيويورك، متخصص في العلاقة بين علم النفس والدين، من مؤلفاته:
نفسية الإلحاد.
Modern art and modern science: The Parallel Analysis of Vision
Defending the Family: A Sourcebook
معلومات عن المترجم:
عبد القادر مساعد الجهني: هو طبيب أطفال، ومدرب في المجال الطبي، ومن المهتمين بالتعليم الطبي والتثقيف الصحي، ومهتم أيضًا بالأدب والشعر. ومن ترجماته:
هل جيناتي جعلتني هكذا؟