تحرَّر من قيودك
تحرَّر من قيودك
استمرت الرحلة أيامًا من البحث لم يجدوا خلالها سوى القليل من الجبن والتفاح بما يكفي لإسكات الجوع فقط، وفي إحدى الجولات سقط هيم من التعب، فاقترحت هوب عليه التخلُّص من حقيبة أدواته لعدم حاجته إليها، أشعره ذلك بالإهانة وضاق من وجودها فآثر الصمت واستحضر الأيام الخوالي، فهمت هوب مشاعره وبادرت بمواجهته بتعلُّقه بالماضي، ووجوب مراجعة معتقداته، فقد استمروا بالمحاولات المستمرة كما كان يرى لكن بلا نتيجة، حتى أدوات الحفر كانت عديمة الفائدة لم تستخدم مطلقًا، وفي هذه اللحظة وجب تغيير ما يسلم به هوب من معتقدات، أثار الكلام حفيظة القزم، فقد كان يرى أن المعتقدات تمثل هوية الفرد وشخصيته، ساد الصمت بعد النقاش فغادرت هوب متمنية لهيم ليلة سعيدة.
بعد رحيل الفتاة أجهش صديقنا في البكاء حتى غطَّ في النوم، راوده في تلك الليلة حلم رأى فيه نفسه في بيته القديم، ونوافذه محاطة بقضبان كالسجن، أشعره ذلك بحزن مضاعف، حمله على التفكير بعد الاستيقاظ في كل الأحداث وفي مقولة “هاو” تحديدًا، ظلَّ كذلك إلى أن لمعت الغاية في رأسه، أدرك هيم أن المشكلة كانت في مفهوم الاعتقاد، الاعتقاد الذي عناه صديقه هو الاعتقاد القديم، نهض هيم وأخذ حجرًا نحت به عددًا من العبارات التي خرج بها، فكتب أولًا: “الاعتقاد عبارة عن فكرة أثق بأنها صحيحة”، وأحاط كلامه بتفاحة ليشير أنها استنتاجه الشخصي، واستمر بالتدوين حتى نحت: “التشبُّث بالاعتقاد القديم قد يجعل منك سجيًنا”.
الفكرة من كتاب الخروج من المتاهة
“من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟”، هل تتذكَّر قارئنا هذا العنوان أم تظنه سؤالًا مجردًا؟ الحقيقة أنه كتاب تناولناه سابقًا، وربما قد قرأته شخصيًّا من قبل، وفي لمحة موجزة نذكِّرك بفكرته الأساسية المتحدثة عن الاستعداد للتغيير وتقبُّله وتوقع حدوثه بدلًا من الخوف غير المبرَّر، هذا التغيير هو الضرورة التي تستقيم بها الحياة، وتلك الغاية التي سعى الكتاب لإثباتها بقصَّته الرمزية الموجزة، لكنه أغفل بعض النقاط المؤثرة في قرار التغيير، فجاء كتاب “الخروج من المتاهة” ليكون تتمَّة القصة، موضحًا فيه تأثير المعتقد في الأفكار والسلوك وكيفية ارتباطه بالنتائج المراد تحقيقها.
وبما أن الشخصيات هي المحرك الأساسي في القصة فوجب علينا استحضارها، هناك الفأران “سنيف” و”سكوري” والقزمان “هيم” و”هاو”، يعيشون في متاهة يتوافر الجبن في أحد ممراتها بكثرة، ولأنهم اعتادوا مكانه وعمدوا إلى الراحة فإن انتهاء مخزونه كان محرِّكهم اللازم للبحث والسعي في اتجاه جديد.
بدأ الفأران بالبحث لتدارك الأزمة فور نشوبها كأمر غريزي، أما الأقزام فقد لزمهما الوقت ودارت بينهما الأحاديث وحلَّ بينهما الخلاف الفكري الناتج عن تنوُّع الشخصيات والمعتقدات، خلص “هاو” للبحث بعد أن فهم الغاية وقرَّر الرحيل، أما “هيم” فظل مكانه متعاجزًا ينتظر حلًّا إلهيًّا، رافضًا كل محاولات صديقه لإقناعه، فاستمر به الحال وحيدًا جائعًا حتى مجيء الجزء الثاني من القصة، وها نحن نشاطره رحلته في هذا الجزء لنرى مصيره ونلتمس من قصته العبر.
مؤلف كتاب الخروج من المتاهة
سبنسر جونسون: ولد الطبيب والمحاضر والكاتب الأمريكي عام 1938، نال درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1963، ودرجة الدكتوراه في الطب من الكلية الملكية للجراحين، كذلك حصل على تدريب طبي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومايو كلينك، ترك جونسون مهنته كطبيب وتوجَّه إلى كتابة قصص الأطفال والكتب التحفيزية، وحقَّق نجاحًا باهرًا، فتمَّت طباعة أكثر من ستة وأربعين مليون نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم بأكثر من سبع وأربعين لغة، نذكر منها: كتاب “من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟” المصنَّف في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا، و”نعم أو لا: الدليل لقرارات أفضل (1992)”، و”الهدية”، وقد فارق الدنيا عام 2017.