تحديات الطريق
تحديات الطريق
ذات يوم صادف خروج والد عائشة عبد الرحمن إلى الموالد بمدن مختلفة مع امتحان القبول بمدرسة المعلمات بالمنصورة، أخذتها أمها -عطفًا عليها- كي تؤدي الامتحان فسافرت بها دون علم الوالد، ولما رجعت من هناك كان الوالد قد علم لكنه لم يُظهر غضبه كما توقعت، ومع قدوم العام الدراسي كانت زميلات عائشة تلقَّين خطابًا من المدرسة بالتجهُّز وكذا الأزياء الخاصة بهنَّ دون أن يبلغها شيء من ذلك؛ فقال جدها إن الحل في إرسال خطاب إلى المدرسة للاستفسار عن الأمر، وقد كان، إذ ردَّت المدرسة بأن الوالد سحب ملفها وانتهى الأمر؛ فحزنت حزنًا شديدًا ويئست فامتنعت عن الطعام “حتى خيف عليها من الموت”، فتكاثر الناس على والدها ليقنعوه فنزل على رأيهم لكنه كي يبرَّ بيمينه أرسل خطابًا عبارة عن ورقة بيضاء لا قيمة لها إلى المدرسة!
بعد شهرين من بداية العام الدراسي استطاعت أمها أن تحصل على موافقة بالالتحاق بالمدرسة من الشيخ منصور أبي هيكل الشرقاوي الذي لا يستطيع والدها أن يخالف كلامه؛ فردَّت الروح إلى عائشة عبد الرحمن بذلك الخبر، وتجهَّزت كما لو أنها عروس تُزفُّ إلى زوجها، ولكن المدرسة بالمنصورة أخبرتهم بالاستكفاء بالعدد وبخاصةٍ بعد أن مضى من الدراسة شهران؛ ولحسن الحظ دلَّتهم المديرة على مدرسة حلوان -المدينة التي لا تعرف هي ولا أمها مكانها ولا تملكان ثمن الوصول إليها- لأنها ستقبل بها ومنحتهم شهادة تثبت نجاح الطالبة بالامتحان، فظنَّت عائشة أن أمها ستعود بها إلى دمياط لكنها ذهبت فباعت سوارًا ذهبيًّا لتحجز تذكرتين في قطار القاهرة، وهناك انتظمت عائشة في الصف الأول بينما كان يحق لها الالتحاق بالثاني لكنه لم يكن متاحًا وقتها، وتفاجأت بعد مدة بأنه قد تقرَّر إلغاء اعتماد قبولها بالمدرسة لأن اللائحة لا تجيز ذلك، فدلَّتها ناظرة المدرسة على مدرسة المعلمات بطنطا وقُبِلت هناك بعد تعنُّت في الكشف الطبي.
الفكرة من كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
تصف عائشة عبد الرحمن نفسها وكأنها تقف على جسر يفصل بين عالم الحياة الطاغي بآثار زوجها الراحل عنها كما لو أنه حي ماثل أمامها، وعالم آخر ذهب إليه زوجها لكنها لا تملك أن تذهب إليه الآن ولا تخلَّفت عنه بإرادتها، ألا وهو عالم الموت.
تسرد بنت الشاطئ حياتها منذ الطفولة إلى رحيل زوجها عام 1966م في هذا الكتاب معلنةً عن كل التحديات التي خاضتها في سبيل تحقيق أحلامها وأهدافها.
مؤلف كتاب على الجسر: بين الحياة والموت
عائشة عبد الرحمن: أديبة ومفكرة وباحثة وأستاذة جامعية ولدت عام 1913م، وتعرف بـ”بنت الشاطئ”، وهي أول امرأة حاضرت بالأزهر الشريف، وتولَّت العديد من المناصب الجامعية المرموقة ونالت عدة جوائز مختلفة، وتُوفِّيت عام 1998م تاركةً لنا إرثًا مجيدًا بين التأليف والتحقيق، ومنه:
“التفسير البياني للقرآن الكريم”.
“مع المصطفى، مقال في الإنسان”.
“تراجم سيدات بيت النبوة”.
“بطلة كربلاء”.