تجريد الإنسان من إنسانيته
تجريد الإنسان من إنسانيته
ما التفسيرات المختلفة حول أصالة الإنسان؟ أول تفسير هو نظرية “أصالة التاريخ”، وفيها يخضع الإنسان بالكامل لجبرية التاريخ لا يستطيع الإنسان أن يُحدث أثرًا في نفسه أو مستقبله، وإنما هو مُسيَّر لا إرادة له.
النظرية الثانية هي الأصالة البيولوجية وفيها خضوع الإنسان يكون لقوانين الطبيعة فيصبح شبيهًا بالحيوانات لا يختلف عنها إلا في أنه هو النهاية التطوُّرية للسلاسل البيولوجية.
النظرية الثالثة تقول إن الإنسان يكون ابن بيئته متأثرًا بما حوله من الأحداث الاجتماعية متفاعلًا معها وبها، وتتأثر شخصيته وقيمه وصفاته فيما يُعرف بالأصالة الاجتماعية، وبالتالي فهو هنا أيضًا منزوع الإرادة ومسير بفعل المجتمع.
وأخيرًا المذهب المادي الذي يجعل الإنسان شيئًا ماديًّا لا قيم له ولا فضائل، كل هذه المذاهب الفلسفية اشتركت في شيء واحد فقط، وهو نزع الإنسانية عن الإنسان وتحويله إلى موجود جامد وإلى مسخ لا روح له.
ولما كان الدين هو طريق الإنسان إلى الطمأنينة والسكينة كان يجب أن ينتبه الفلاسفة والمفكرين من تعدُّد فشل نظرياتهم في إيجاد السعادة، ويحولوا مسارهم إلى الدين مجددًا والإسلام تحديدًا، ويتناسوا العصور الوسطى وفترة حكم الكنيسة حجَّتهم الدائمة في عصر النهضة الأوروبية الحديثة، وأنهم لولا تخلصهم من الدين لما تقدموا، وهذا تدليس على الناس، والحقيقة أن الوضع يختلف في الإسلام عن المسيحية، فلا كهنوت في الإسلام ولا وصاية، وإنما هو مشروع متكامل أساسه التوحيد، ويقيم المجتمع كبناء بأعمدته المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهم يعلمون ذلك جيدًا، فمشكلتهم مع الإسلام أنه دينٌ لا يقبل بأنصاف الحلول لا يستطيعون أن يأخذوا منه ويتركوا، فإما أن يُطبَق بالكامل قشوره ولبابه، وإما أن تأخذ قشوره وتنسب كل فشل بسبب ذلك الخلل إلى الإسلام، وفي الواقع إنه عجزهم عن تطبيق تفاصيله.
الفكرة من كتاب الإسلام ومدارس الغرب
“إن الإنسان ابتعد عن نفسه ونسيها بقدر ما اهتمَّ بالعالم خارجه وتقدم فيه”، بهذا الاقتباس افتتح الكاتب كلامه عن تجاهل الإنسان البحث في نفسه وروحه وتفسير أصالته في العصر الحديث، ولذلك ابتعدت السعادة عن حياته وصار يبحث عن تلك السعادة الغائبة في كل مكان إلا نفسه، وطالما لم يجد الطريق الحق لفهم نفسه فلن يصل إليها.
يتحدث الكاتب بدايةً عن المدارس الغربية الفلسفية التي تفسر وجود الإنسان وماهيته، ثم يوضح التصورات الوجودية المختلفة عن الإنسان، ويطيل الحديث عن الماركسية وأفكارها وفشلها، ويفسر لماذا يتجاهل الإنسان الغربي الطريق الديني ويتجه إلى الإلحاد؟ مُبينًا قيمة الإسلام ودور المثقفين المسلمين وموقعهم من العالم الآن.
مؤلف كتاب الإسلام ومدارس الغرب
علي شريعتي، مفكر إيراني مسلم شيعي ولد في خُراسان 1933 وتخرج في كلية الآداب وذهب في بعثة إلى فرنسا لدراسة علم الأديان وعلم الاجتماع ليحصل على شهادة الدكتوراه، تُعد كتبه وأفكاره من ضمن العوامل التي أسهمت في الثورة الإيرانية والإطاحة بنظام الشاه، من أهم مؤلفاته: “مسؤولية المثقف”، و”العودة إلى الذات”، و”الإسلام والإنسان”، و”بناء الذات الثورية”.