تجديد التسامح
تجديد التسامح
نلجأ إلى البر والإحسان والملاطفة حينما ندرك القصور في الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحكمنا، والتسامح هو استدراك لقصور هذه الأنظمة، والمتخلي عن التسامح إنما يفقد بذلك شيئًا جوهريًّا نفيسًا، وليس شيئًا يمكن الاستغناء عنه، والتسامح ليس حالة نتخذها إزاء الأشرار أو أصحاب المواقف العدوانية، وإنما هو ركيزة التفكير السوي، ونحن نحتاج إلى غرس تقاليد ثقافية جديدة تسمو بالتسامح وتعزز قدره في نفوس الناس.
فالتسامح يمنحنا فرصة لإصلاح الخلل الفكري والسلوكي في إطار تبادل ثقافي هادئ، ويُمكّننا من رؤية الأشياء بتجرد وحيادية، والتسامح لا يتأتى إلا بالاستعداد لحوار ناضج، يسمح للأفكار الجيدة أن تزدهر، بينما يلغي الأفكار التي لا بد لها أن تندثر، ولكن رفض التسامح بشكل عام يضع الأمور في غير نصابها الصحيح، ويجعل من رافضي التسامح أشخاصًا منبوذين، وعلى الصعيد الآخر يعطي صلاحيات للبعض الآخر بمجرد تطبيقهم له.
والإسلام حدد لنا منطلقات التسامح على مستوى الأحكام والآداب، ومنها: تحريم الغيبة والحث على كظم الغيظ، والتوبة والاستغفار هما من أوسع أبواب التسامح على نطاق تعامل العبد مع خالقه، وقد وجهنا الدين إلى معاملة غير المسلمين بالقسط والإحسان ما داموا غير عدوانيين، ويُروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه توقف عند مرور جنازة يهودي فاستكثر الصحابة عليه ذلك، ولكنه ردهم قائلًا “أليست نفسًا”.
ولا بد أن نشير إلى أن تطبيق التسامح يجب أن يتم بحذر شديد، فللتسامح حدود يجب ألا نتجاوزها، لأن التسامح قد يتسبب في ظهور الأفكار الشاذة، ويشجع البعض على الخروج من الجماعة، فلا بد أن تكون هناك حدود للتسامح، وأحد أوجه التسامح يتمثل في احترام التعددية في الرأي وتعزيز روح الحوار والتفاوض والجدال بالتي هي أحسن، لأن ما سبق إنما هو من مقتضيات التربية السياسية التي تفتقر إليها مجتمعاتنا.
الفكرة من كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
يُعد هذا الكتاب وصايا للمنشغلين بالإصلاح المجتمعي، فلا شك أن مجتمعنا الإسلامي اليوم يفتقر إلى مشاريع إصلاحية حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن الأمور الخارقة، فحركة التاريخ ما هي إلا آلاف من الجهود الضئيلة التي لا تكاد تُرى وحدها، وعليه يهدف هذا الكتاب إلى الخروج بالإنسان من حالة مراقبة الواقع والتنظير عليه إلى حالة التنفيذ والتغيير فيه. والتفكير حيلة الإنسان وهو سلاح ذو حدين؛ قد نفك به القيود ونخرق الشروط، أو قد يعجزنا ويُمكّن الغير من الاستبداد بنا، وذلك بحسب تعاملنا مع الأفكار، إن كان تعاملًا أحاديًّا فردوسيًّا أو واقعيًّا مرنًا، فالأزمات التي نحياها ليست نتيجة أفعال الآخرين أو الأقدار المكتوبة لنا فحسب، وإنما تدخل في ذلك أفكارنا وعقلياتنا ومرجعياتنا، ويهدف الكاتب إلى تحويل الأفكار الإصلاحية من كلام منمق إلى مشاريع تنموية مثمرة على أرض الواقع.
فإن كنا مهتمين بالتربية المبكرة وأثرها في الطفل، فلا بد من إنشاء روضة أطفال نموذجية، وقد ذكر الكاتب راشد الغنوشي أن جوهر المشروع الإسلامي ليس إسلاميًّا ليستهدف الدولة، وإنما اجتماعي إصلاحي للناس كافة، وهذا معيار نجاحه أو فشله، ورغم هذا الوضع غير المبشر، ورغم ضعف الدولة وهشاشة تنفيذ الشريعة فيها، فإن الإسلام اليوم في ازدهار، بينما العلمنة تتجه بخطى سريعة نحو الذبول والاندثار، فالأمة الإسلامية وإن كانت منهارة سياسيًّا، فإنها قوية حضاريًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
أ.د. عبدالكريم بكار: أحد أبرز الكتاب في مجال التربية الإسلامية والفكر الإسلامي، حاصل على الدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، مهتم بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة الفكرية والعمل الدعوي الإصلاحي، وقد تُرجمت كثير من أعماله إلى العديد من اللغات، كما أن له مكتبة صوتية ضخمة تزخر بالعديد من المقاطع الصوتية التي سجلها.
للمؤلف نحو أربعين كتابًا، منها “فصول في التفكير الموضوعي”، و”مدخل إلى التنمية المتكاملة” و”العيش في الزمان الصعب” وغيرها من المؤلفات.