تتبَّع رغبتك
تتبَّع رغبتك
الحياة سلسلة من الاختيارات المتناقضة التي تجبرنا على اتخاذ قرار محدد والقتال في اتجاه دون آخر، ذلك الانحياز هو سبب صريح للبؤس، لذا لا تختر، وعش في حرية مطلقة تاركًا نفسك للرغبة التي تحملك على فعل الأشياء وفقًا لما يميل إليه قلبك كي تحقق السعادة.
ضُرب الحب والتأمل مثلًا في هذا السياق لأن كلًّا منهما مناقض للآخر ويستحيل جمعهما، فالحب يعني الرغبة في وجودك مع شخص تعطيه تركيزك ووقتك، أي أنك “متعب من نفسك”، أما التأمل فينسيك شريكك ويعزِّز رغبتك في البقاء مع نفسك وتوجيه اهتمامك إليها، أي أنك “متعب من الطرف الآخر”، وبالتالي فاختيار أحدهما يعني قطعًا التخلي عن شيء ضروري، والأسهل هو الاعتراف بالتناغم بين الشعورين، فكلٌّ منهما يخلق الآخر، لذا ترى عند المحبين رغبة في الابتعاد وأخذ هدنة لكن الخوف من الفقد والوحدة يمنعهم، فيلجؤون إلى التظاهر بالرغبة الدائمة في البقاء، مما يخلق فجوة تدمر الحب وتجعله مزيفًا مع الوقت، بينما احترام رغبتك في الانعزال وطلب الابتعاد قليلًا سيخلق احترامًا متبادلًا ويضمن استمرارية هذا الحب الصادق القائم على تفهُّم كل طرف للمتطلبات النفسية.
بعد ذلك تقبل طبيعتك واحترام قدراتك ولا تفرض عليها ما يفوق استطاعتها أو تجبرها على قواعد الآخرين المتناسبة معهم، فالناس نوعان؛ أولهما سريع كالفرس، وثانيهما في بطئه كالسلحفاة، إن لم يسمح للأول بالتحرك سريعًا سيصاب بالضغط، لذا فالاسترخاء والراحة ليسا من نصيبه، بل هي أمور وجدت للسلاحف والعمل الدؤوب هو الخيار المثالي له، وبالتالي فإن ما يريح أحدهما لا يعني بالضرورة تناسبه مع الطرف الآخر، فالأفضل ألا تفكر في نصيب غيرك من المتعة، لأنها ببساطة لم تخلق لك.
عليك إدراك جانب آخر لسلوكياتك النفسية حين تختار البؤس بكامل إرادتك؛ إنه التبرير الذي نلجأ إليه في لحظات الفشل والضعف لنعلِّق عليه نتائجنا ونحصد التعاطف ونتملَّص من المسؤولية، فالحقيقة إذًا أنك تستمتع به ولا تملك إلا اختيارين: إما الترحيب المطلق والاستمتاع بمكاسبه مقابل وجوده، وإما الرفض التام عن طريق تفهُّم رغباتك اللاواعية التي خلقته، ثم التوقُّف عن دعمها، فيتلاشى.
الفكرة من كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
في مطلع الكتاب يقول جون أندروز الطبيب الشخصي لأوشو والذي رافقه حتى مماته:
“لقد أظهرت التجارب الأخرى أنك إذا تصنَّعت وجهًا تعلوه علامات الأسى لمدة ثلاثة أيام، تستطيع أن تجعل نفسك مكتئبًا تمامًا، إننا في جوهرنا ظاهرة خلق ذاتي”.
بينما تمضي الحياة تستمر عقولنا بالتشكُّل، وتتراكم فينا أحداث ومعتقدات تعيد تهيئتنا تدريجيًّا في كل الجوانب دون أن نلمحها، ولا يمر الوقت حتى نرى آثارًا سلبية نعتبرها مجهولة المصدر، لا نلبث أن نلوم عليها آباءنا أو مجتمعاتنا أو نلقيها على حادثة أليمة واجهتنا سابقًا، والحقيقة أن ما فعلناه هو التنصُّل من مسؤوليتنا تجاه عالمنا الداخلي، الذي انصرفنا عنه مركِّزين اهتمامنا على الأحداث الخارجية فقط، متناسين أننا نتاج أنفسنا، نبرمج دماغنا على افتراضات واستنتاجات فنتعايش معها ونبرهن على صحتها دون إدراك منا بحماقة ما نفعل، لذا جرت الكثير من الأبحاث في هذا السياق النفسي، وخلص الكثير منها إلى جدوى التأمل كحل علاجي حتى للوسواس القهري، فالتأمل نشاط تنساب الروح فيه متحررة عن حدود الجسد والمكان، لتستغرق في مراقبة الأمور ووضعها في مكانها المناسب، وهدف الكتاب هنا هو استعراض تصرفاتنا السلبية وكل ما ينغِّص صفو نفوسنا، للتعامل مع داخلنا والتحكم فيما نواجهه بعقلانية تضع الأمور في موضعها الصحيح للوصول إلى السلام النفسي بطرق بسيطة يسهل اتباعها.
مؤلف كتاب التأمل.. لماذا نتأمل؟ بل لمَ لا نتأمل؟
أوشو : فيلسوف هندي من مواليد عام 1931، اتخذ لنفسه عددًا من الأسماء المختلفة خلال حياته و”أوشو” هو الاسم البوذي الذي اعتمده منذ عام 1980، درس الفلسفة في الجامعة ثم التحق بالعمل فيها كمدرس عام 1957 بعد حصوله على الماجستير، خلال الستينيات تفرغ للتعليم الروحي وابتكر منهجًا يعتمد على التصوف والتقشُّف والتأمُّل والبحث عن الذات والحرية الجنسية في آن واحد، فاتبع فلسفته الكثيرون الذين تجمهروا حوله وجاؤوه من كل مكان، فضيَّقت السلطات الهندية النطاق عليه بمحاولة طعنه ومطالبته بالضرائب ثم منعت الناس من التوافد إليه، فارتحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليؤسِّس مجتمعًا خاصًّا مع أتباعه، لكن تصرُّفاتهم استفزَّت بلدية مدينة أوريجون، فوجَّهت إليه تهمًا كثيرة قضت بترحيله، ورفضت إحدى وعشرون دولة استقباله، فعاد إلى الهند وتوفي هناك عام 1990.
من أعماله:
التسامح.. رؤية جديدة تزهر الحياة.
الشجاعة.
معلومات عن المترجمين:
الدكتور محمد ياسر حسكي: مترجم وكاتب سوري الجنسية، درس في كلية الطاقة جامعة إركوتسك التقنية، وحاصل على الدكتوراه في الهندسة، كما أنه عضو الأكاديمية الدولية للسوجوك في الهند وعضو الأكاديمية الروسية للسوجوك، ومؤسس مدرسة الريكي: طاقة النور، له من المؤلفات كتاب: “الحب رواية عن التعلقات” بالاشتراك مع الكاتبة لينا مصطفى الزيبق، أما في الترجمة فله من الأعمال: “المركب الفارغ، لقاءات مع اللاشيء”، و”الدماغ الخارق”، وكتاب “أنا والرومي: السيرة الذاتية بقلم شمس الدين التبريزي” بالاشتراك مع المترجمة منال الخطيب وتحقيق: كارمن الشرباصي.
كارمن الشرباصي: شاركت الدكتور محمد ياسر حسكي في ترجمة عدد من الأعمال منها: “عملية الحضور: رحلة إلى داخل إدراك اللحظة الحالية”، و”التحول التانتري”، وكتاب “اللطف وآثاره الجانبية الخمسة”.