تبعية الدين للأخلاق
تبعية الدين للأخلاق
أما الصورة الثانية من صور علاقة الأخلاق بالدين فهي “تبعية الدين للأخلاق”، والتي بنيت على مبدأ “الإرادة الخيِّرة” عند كانط، ومقتضاها تأسيس الأخلاق بصدورها عن شيء خيِِّر بإطلاق، بحيث تأتي فعلها عن شيء داخلي هو عينه يكون غاية في نفسه لا وسيلة لغيره، ولما كانت تلك الإرادة الخيِّرة عاقلة بعقل خالص، فلا يحركها للإقدام على الفعل إلا احترام الواجب فقط، لا طمعًا في الثواب أو خوفًا من العقاب.
وحتى يجمع كانط بين الفضيلة والسعادة للوصول إلى “الخير الأسمى”، سلَّم بحقيقتين إيمانيتين، إحداهما: “خلود الروح” حتى يحصل ارتقاء غير متناهٍ في مدارج الكمال الخلقي، ولا يتم ذلك إلا بوجود ذات باقية بقاءً غير محدود، والحقيقة الثانية: “وجود الإله” لوجوب افتراض وجود علة لكل الطبيعة يكون بيدها الوصل بين الفضيلة والسعادة.
ويرد الكاتب على ذلك بأنه لم يقتصر فقط على “اقتباس بعض المعاني الدينية” أو “البناء على بعض الأصول العقدية”، بل هناك أشكال خفية بعيدة اتخذها لصنع نظرية علمانية بعناصر مأخوذة من الدين، كأننا أمام محاولة لعلمنة الدين، حيث استخدم كانط “طريق المبادلة” فاستبدل بالمقولات الأخلاقية الدينية المعهودة مقولات أخلاقية مقابلة لها غير معهودة، كاستبدال العقل بالإيمان، والإرادة الإنسانية بالإرادة الإلهية، كما استخدم “طريق المقايسة” بوضع أحكام أخلاقية على منوال الأحكام التي تأخذ بها الأخلاق الدينية، فلما كان الإله هو المُشرِّع، استبدل الإنسان المُشرِّع به، فبطل القول بتبعية الدين للأخلاق، وصح القول إن الدين مهد الأخلاق اللادينية، فيكون الأخلاقي اللاديني ما هو إلا أخلاقي ديني متنكِّر، ينكر الأخلاق الدينية قولًا، ويقرها فعلًا.
الفكرة من كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
قد التبس الأمر على دُعاة العقلانية من المُحدَثين، فظنُّوا أن العقلانية واحدة لا ثاني لها، وليس الأمر كذلك، إذ تأتي العقلانية على قسمين، فهناك “العقلانية المجردة من الأخلاقية” وتلك يشترك فيها الإنسان مع البهيمة، وهناك “العقلانية المُسدَّدة بالأخلاقية”، وتلك يختص بها الإنسان عمَّن سواه، فالأخلاقية هي ما يكون بها الإنسان إنسانًا، إذ يجب أن تتجلى الأخلاقية في كل فعل من أفعال الإنسان.
مؤلف كتاب سؤال الأخلاق.. مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي.
كتب العديد من الكتب التي يؤسس من خلالها فلسفة إسلامية جديدة، ومن تلك الكتب: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، و”ما بعد الدهرانية”.