تبعات القادة
تبعات القادة
إنَّ أعمال القادة تُوزن بما لها من تبعات وتأثير، إنْ خيرًا فخير وإنْ شرًّا فشر، وعلى هذا الأصل يتحدث عنهم التاريخ وتصدر عليهم الأحكام، والقرآن في حديثه عن التبعية والجزاء يصف الآخرة بيوم الدين ويوم الحساب، ويصف اللهُ نفسه بـ”سريع الحساب”، و”هو أسرع الحاسبين” بينما يحدِّد للرسول وظيفة التبليغ فقط، وحسابه دقيق لا يغادر وزن حبةٍ من خردلٍ، ولا يفلت منه أحد كما يقع كثيرًا في قوانين الدنيا والقيِّمين عليها، فبَونٌ شاسعٌ بين القانون الإلهي -كُلِّي القدرة والعلم والإحاطة- والقوانين التي وضعها البشر محدودو القدرة والعلم ويسهل خداعهم ويعمون عن الحق والعدل بوسائل كثيرة.
وكلُ إنسان مؤاخذ بعمله فقط ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ﴾، و﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾، ويبطل ادِّعاء المفتريين الذين زعموا أنهم يمكن أن يتحمَّلوا أخطاء غيرهم، ليردُّوهم عن الهداية.. والقرآن يقرر المسؤولية الفردية في تحمل تبعات العمل، فلا يملك المتبوعون تخفيف إثم الأتباع بتحمُّل جزءٍ منه، وفي سياق آخر يقرر أنهم يتحملون إثم ضلالهم وإثم آخر معه هو إثم الإضلال والمكر دون أن ينقص من أوزار الذين يضلونهم شيء، ومن هنا يتحمَّل القائد تبعات أخطائهم أكثر من غيرهم لأنها أخطاء تعمُّ بها البلوى وتضيع معها الأمة، ولأن الناس يقتدون بهم في الصواب والخطأ، قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾.
إنَّ من سوء أحوالنا أنَّ هَمَّ كل متعلم ما يحصله من درجات وما ينهيه من مراحل دون تعلم حكمة التدبير وحسن التصريف، فكل فطنة علم وليس كل علم فطنة، وبات الكثيرون يتحدثون عن حكمة الحياة لكن القليلين من ظفروا بالحكمة في الحياة وعملوا بها.
الفكرة من كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
هذا مبحث في السمات القيادية للرسل الذين صنعتهم العناية الربانية؛ فعصمتهم من الزلل ومن الضعف البشري أمام الشهوات وأهواء النفوس؛ فكانوا قدوةً لغيرهم، ونموذجًا يجب تطبيقُه في سياسة الجماعة وإدارة الحُكم، وهو ضِمن سلسلة من هدي القرآن التي التزم فيها المؤلف طريقةَ التفسير الأدبي الذي يُعنى بالتدبير النفسي والاجتماعي للحياة الإنسانية، ويقصد الموضوعات القرآنية دون التقيُّد بالأجزاء والسور؛ ثقةً بعظمة التدبير القرآني وصلاحيته لكل الظروف والأزمان.
مؤلف كتاب من هدي القرآن.. القادة والرسل
الشيخ أمين الخولي أديب ومفكر ومناضل ثوري شارك في ثورة ١٩١٩، وزوج الأستاذة عائشة عبد الرحمن؛ وُلد عام ١٨٩٥ بمركز أشمون بمحافظة المنوفية، وتخرَّج في مدرسة القضاء الشرعي وعُيِّن مدرسًا بها، ثم إمامًا للسفارة المصرية في روما، وأسَّس جماعة الأمناء ومجلة الأدب وكانت له جهود تجديدية كثيرة، وكانت المؤثرات الغربية الحديثة ظاهرة في بعض أفكار الخولي، وقد أثارت رسالة “الفن القصصي للقرآن” لمحمد أحمد خلف الله -والتي أشرف عليها الشيخ وأيَّدها- جدلًا واسعًا، وخلقت أزمة بينه وبين الأزهر، وقد توفي الشيخ أمين عام ١٩٦٦ ودفن في قريته شوشاي.