تاريخ موجز لطريق العلم
تاريخ موجز لطريق العلم
يُعدُّ العلم ظاهرة قديمة وحديثة في ذات الوقت، لمروره بالعديد من المراحل عبر مختلف العصور، وهنا سنقف على بعض المعالم لنِقاط التحوُّل الكبرى بتاريخه، فلنبدأ بمرحلة العالم القديم، حيث بدأ فيها العلم بالتشكُّل وإضافة وحَذف عناصر منه، وكان مُختلطًا بالأساطير والشعر والعقائد القديمة، وتوجد به مرحلتان: ما قبل التاريخ وما بعده،سنتحدَّث عن مرحلة ما بعد التاريخ حيث بداية نشأة الحضارات القديمة التي تمتاز بالإنجازات العلمية الهائلة وتميزها في علوم الفلك ووضع التقويم من أجل حساب تغيُّرات الطقس لمعرفة مواسم الزراعة والملاحة لإتمام عمليات التجارة، وكذلك التميز في العلوم التجريبية مثل الكيمياء والطب.
وبعدها بسبعة أو خمسة آلاف سنة ظهرت الحضارة اليونانية، والتي تفوَّقت في الناحية النظرية، وقدرتها العالية في شمولية وتجريد المعارف العلمية والبحث عن الأسباب، فتوصل علماؤها إلى أعظم الإنجازات العقلية في ميدان الفلسفة والرياضيات.
وهناك اختلاف بين المفكرين حول نقطة بداية العلم، هل تنسب إلى الحضارات الشرقية أم إلى الحضارة اليونانية؟ وفي ذلك يوجد رأي يمتاز بالتحيُّز الحضاريينسبها إلى الحضارة اليونانية لأنها توصلت إلى المبادئ العامة للنظريات،وفي المقابل كانت الحضارة الشرقية تعتمد على جمع معارف موروثة والعمل بها دون تحليلها.
والآن مع المرحلة الوسطى الخاصة بالعالم الإسلامي والأوروبي، ونجد بينهما تفاوتًا شديدًا في مستوى العلم، فبينما وصلت الحضارة الإسلامية إلى قمتها، كانت أوروبا ما زالت تتمسَّك بأضعف عناصر التراث اليوناني للعلم، ومتعصِّبة لمعتقدات الكنيسة، وذلك لأن علماء المسلمين نقلوا علوم القدماء وفلسفاتهم، ومن ثم طوَّروها واستخدموها في كشف أسرار العالم وتلبية حاجة المجتمع الإسلامي،ومكَّنوا تلك العلوم في حياة الناس اليومية فاخترعوا الجبر، وتفوَّقوا في الهندسة التحليلية وابتكروا حساب المثلثات وبرعوا في استخدام الطب،بينما كان الأوروبيون يظنون أن كتابات أرسطو كافية لتقديم تفسير كامل للطبيعة، مع مزجها بتفسيرات رجال اللاهوت، والإعلاء من قدر العلم النظري البحت والتقليل من شأن العلم التطبيقي.
وأخيرًا مرحلة العصر الحديث التي توصَّلت فيها أوروبا إلى أسلوب التفكير العلمي الحديث، وظهر بها مبدأ العمل الجماعي بالعلم، فأُنشِئت جمعيات علمية، وذلك بسبب عوامل خارجية مثل تأثرها بالحضارة الإسلامية، وداخليًّا بإسهام بعض الفلاسفة الذين تحرَّروا من إشكالية تفكير الفلاسفة القدماء، بالاهتمام بالجانب التطبيقي للعلم واستخدام الرياضيات.
الفكرة من كتاب التفكير العلمي
في عصرنا الحالي نجد ثغرة كبيرة بين عالمنا العربي والعالم المتقدِّم، فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية في العصر الذهبي سابقة النهضة الأوروبية بقرون عديدة، أصبح اليوم مفكِّرو العالم العربي يخوضون معارك ضارية من أجل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي، وكذلك لا ينفكُّ البعض عن الزهو بذلك الماضي المجيد دون الأخذ بأسلوبهم العلمي، فلذلك لا سبيل لتحقيق النهضة في وطننا العربي إلا باتباع العقلية العلمية، وهي لا تخصُّ العلماء وحدهم، ولا تتطلَّب معرفة كل ما توصَّلت إليه البشرية حتى وقتنا الحالي أو معالجة مشكلة متخصِّصة بمجال علمي ما، بل هي طريقة للنظر في الأمور بشكل عقلاني والابتعاد عن اتباع العفوية.
إذن ما هو التفكير العلمي؟ وما هو تاريخه؟ وكيف نفكِّر مثل العلماء؟ وما علاقة العلم بمشاكلنا المعاصرة؟ سنتعرَّف على كل ذلك مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب التفكير العلمي
فؤاد زكريا: عَلَم من أعلام الفِكر العربي المُعاصِر، تخرَّجَ في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ونالَ درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس، وعمِلَ أستاذًا ورئيسًا لقسم الفلسفة بها.
عمِلَ بالأمم المتحدة مستشارًا لشؤون الثقافة والعلوم الإنسانية في اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة، ونال جائزةَ الدولة التقديرية عام 2002، وجائزةَ الدولة التشجيعية عام ١٩٦٢م عن كتابه «اسبينوزا»، وجائزةَ مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي عامَ ١٩٨٢م عن ترجمته لكتاب “حكمة الغرب” لِبرتراند رسل، تُوفِّي بالقاهرة عامَ ٢٠١٠م، عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين عامًا.
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
خطاب إلى العقل العربي.
دراسة لجمهورية أفلاطون.
آراء نقدية في مشكلات الفِكر والثقافة.
الصَّحْوة الإسلامية في ميزان العقل.