تاريخ الصراع الفكري.. كيف بدأ؟
تاريخ الصراع الفكري.. كيف بدأ؟
منذ زمان ليس بالبعيد في مكان ما شعب مخدَّر يعيش نتائج تخلُّفه الحضاري يعاني سباتًا عميقًا تحت وطأة الاستعمار، وإذ فجأة يحدث دويٌّ ما وهي فكرة تتجسَّد بروح مكافح أو مقاوم، يدخل الاستعمار في الفصل الأول من الصراع بلا خبرة لمكافحة هذه الفكرة وليعيد الهدوء مرة أخرى، فيستخدم وسائل القوة فيردي المكافح أرضًا، هنا تتحوَّل فكرته من “فكرة مجسَّدة إلى فكرة مجرَّدة” تستقر في ضمير الشعب لتوقظه من نومه الطويل، ولتضع له الأساس النظري المتجدِّد والقابل للتعديل الذاتي للحركة والمقاومة، ولكن الاستعمار ما يلبث أن يدرك خطأ فعلته وهنا يبدأ الفصل الثاني من الصراع الفكري، ويظهر على حقيقته.
وهدفه الجديد ألا تتعلَّق القوى الواعية مرة أخرى بفكرة مجرَّدة، وأن يحاول التعبئة لصالح فكرة مجسَّدة على مستوى المثقَّفين بشعارات براقة تسدُّ منافذ إدراكهم للأفكار المجردة، وعلى مستوى الجماهير بعزلهم وعزل الأفكار عنهم، إضافةً إلى محاربة الفكرة المجردة بوسائل أكثر مرونة، مستعينًا بخريطة نفسية للعالم الإسلامي وبمراكز رصده ومؤسساته العلمية.
هنا لم يعد السؤال كيف تكسب الحرب، بل كيف تكسب السلم، فإن انتصارات السلام تقرَّر في جبهات الصراع الفكري.
وكما في المسرح يتحكَّم المخرج (الاستعمار) في إضاءته، فيضيء الجزء الذي يريد أن يراه الجميع، ويجعل باقي المسرح غارقًا في الظلام، كي يعزل هذه الجهة عن ضمير الشعب، وعن نطاق رؤيته، فنحن إذًا بصدد مشكلتين أساسيتين، وهما: كيف ننشئ أفكارًا فعالة في مجتمعنا؟ وكيف نفهم أسلوب الاستعمار في الصراع الفكري؟
الفكرة من كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
تبدأ القصَّة حين دخل الاستعمار البلاد الإسلامية، نشأ الصراع في كل الميادين وبدأت فصول المقاومة ومنها الصراع الفكري الذي يجهل الشعب حقيقته ولعلَّه لا يعلم بوجوده أصلًا، ولكنه يعيش نتائجه السلبية، يجهل قيمة الفكرة في مصير المجتمعات ويجهل دقة الخطط التي ترسم للتحكُّم في مصير الشعوب المتخلِّفة عن طريق أفكارها.
يضيء لنا مالك بن نبي هذا الموضوع من الداخل في ظل تجربته الشخصية لنتعرَّف إلى حقيقة هذا النوع من الصراع وكيف تتم إدارته، حتى لا يمكننا مهما بلغنا من تجريد أن نفصل مغامرة (فكرة) عن مغامرة (صاحبها)، وكل ما يتمناه أن تقوم في بلادنا رابطة من المثقفين، لكشف هجمات الاستعمار على الجبهة الفكرية، حتى لا تبقى الأفكار معرضة لتلك الهجمات دون نجدة أو مدد، وحتى يفيق المجتمع من سباته.
مؤلف كتاب الصراع الفكري في البلاد المستعمرة
مالك بن نبي Malek Bennabi مفكِّر وفيلسوف ومهندس جزائري، ولد في ١ يناير ١٩٠٥م، وتوفِّي في ٣١ أكتوبر ١٩٧٣م، ويُعدُّ أحد رُوَّاد النهضة الفكرية الإسلامية في القرن العشرين، ويُمكن اعتباره امتدَادًا لمدرسة ابن خلدون، ويُعدُّ من أكثر المفكرين المعاصرين الذين نبَّهوا لضرورة العناية بمشكلات الحضارة، وترك أثرًا كبيرًا فيها.
من أهم كتبه: “مشكلات الحضارة وشروط النهضة”، و”مشكلة الحضارة في العالم الإسلامي”، و”ميلاد مجتمع”، و”الظاهرة القرآنية”، و”مشكلة الثقافة”، وغيرها الكثير.