تاريخنا مع الأمراض المُعدية
تاريخنا مع الأمراض المُعدية
على أي حال فقد أقر عمدة (ووهان) بمسؤوليته عن الأخطاء قبل استقالته، ولكنه أرجع ذلك إلى السلطة العليا في الصين إذ تحكمت بصرامة في كل ما يمكن إعلانه عن الفيروس، ولكن ماذا عن تاريخ الأمراض المعدية لدينا؟ من المفارقات أننا -كبشر- اعتبرنا أن مجال الأمراض المعدية لم يعد يشكل خطرًا كما كان، فقد تمَّت السيطرة بالفعل على أمراض كثيرة لا سيما المرتبطة بالطفولة، وساد هذا الاعتقاد حتى صرح عام 1972م “ماكفارلين بورنيت” الحاصل على جائزة نوبل في مجال العدوى البشرية بأن مستقبل الأمراض المعدية سيكون باهتًا، وتؤكد “ماكنزي” أن تصريح “بورنيت” وتقليص بعض الجامعات للبحث العلمي في هذا المجال وغيرهما كان مبنيًّا على أساس مُضي خمسين سنة لم تشهد فيها البشرية تهديدًا في الأمراض المعدية، ولكن ماذا عن الخمسين سنة اللاحقة لتصريح “بورنيت”؟
لم تمضِ أربع سنوات على تصريح العالم “بورنيت” إلا وظهر داء الفيالقة المميتة، واجتاح الولايات المتحدة، وظهر السارس وميرس والإيبولا وماربورغ وإنفلونزا الطيور والخنازير وغيرها من الأمراض المعدية! لم يضع “بورنيت” في حساباته أن خمسين عامًا ماضية لا تضمن لنا أي شيء في الأعوام التالية، إذن ما الذي جعل العالم يشهد كل هذه الأمراض المميتة على الرغم من تطور منظومة الصحة في كثير من البلدان المتقدمة؟ يكمن الجواب في مشكلة ارتفاع الكثافة السكانية، فعندما يزداد عدد السكان تزداد الحاجة إلى مساحات من الأراضي وترتفع معدلات صيد الحيوانات البرية التي هي بالأساس مصدر أغلب هذه الفيروسات لاستخدامها كطعام أو في الأدوية وغير ذلك، كما يسهم الاعتداء على الغابات بالإزالة في ظهور الحيوانات الحاملة للأمراض ويجعلها تبحث عن مأوى آخر، ومن ثم نصبح أكثر عرضةً للأمراض المُعدية.
الفكرة من كتاب كوفيد-19: الوباء الذي ما كان يجب أن يظهر وكيف نتجَّنب الوباء التالي
قبل شهر واحد من ظهور الفيروس التاجي كوفيد-19 صادف أن قام مركز الأمن الصحي في كلية “جونز هوبكنز بلومبرغ” للصحة العامة بمحاكاة افتراضية للأوبئة بالكمبيوتر كتدريب للمسؤولين، حيث أجريت محاكاة لفيروس تاجي وهمي شبيه لكوفيد-19 أُطلق عليه (Event 201)، وجرى السيناريو على طريقة “ماذا لو حدث ذلك؟” لكشف مدى الاضطراب الذي يمكن أن يخلفه فيروس مُعدٍ سريع الانتشار في المجتمع.
تطرح “ماكنزي” في كتابها تساؤلات عما إذا كنا على علم بالوباء قبل حدوثه حقًّا؟ فإن كان الأمر كذلك فلماذا انتشر؟ وكيف كانت استعداداتنا؟ وماذا كانت استجاباتنا عند حدوثه؟ وما الواجب علينا حيال الأمراض المُعدية في المستقبل؟ وتتناول وباء كوفيد-19 بالبحث والتحليل، موضحة ما الذي يمكن أن يؤول إليه الأمر فيما بعد، وكاشفة حقائق عدة متعلقة به.
مؤلف كتاب كوفيد-19: الوباء الذي ما كان يجب أن يظهر وكيف نتجَّنب الوباء التالي
ديبورا ماكنزي Debora Mackenzie: صحفية وكاتبة، مهتمة بمجال الأمراض المعدية ومراقبة الأسلحة والتعقيد وعلم السياسة الإنسانية والهجرة.
من أعمالها: COVID-19: The Pandemic that Never Should Have Happened and How to Stop the Next