تابِعيَّات
سعت النساء من جيل التابعين الذي تلا جيل الصحابة مباشرة، لأن يتعلمن أمور دينهن من الصحابيات وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن، معظمهن لم يكن عالمات بالحديث أو يهدفن إلى جمع الأحاديث من كل مَن يقابلن من الصحابة، وإنما كان سيعهن لتعلم أمور دينهن، إلا أن بعض التابعيَّات حظين بقدرٍ من العلم وكنَّ من المحدثات الثقات، وإن لم تقارن إنجازاتهن بالمحدثين من الرجال آنذاك، منهن من عُرفن بلزومهن لإحدى الصحابيات، وأخريات عرفن بالزهد. أما من عرفن بلزوم الصحابيات فمنهن زينب بنت أبي سلمة المخزومية، وفاطمة بنت المنذر زوجة هشام بن عروة بن الزبير، وعَمْرة بنت عبد الرحمن، وعائشة بنت طلحة.
وتميزت عَمرة بنت عبد الرحمن بعلمها وفقهها وتحصيلها المنهجي للحديث، ورَوت نحو ستة وستين حديثًا منها ثلاثة وستون عن أم المؤمنين عائشة عمتها التي كفلتها، وقد نقلت أيضًا فقهها، أما عائشة بنت طلحة فكانت ابنة أخت أم المؤمنين عائشة، ورَوت نحو ثلاثة عشر حديثًا، وتميزت بكونها أديبة وعارفة بالشعر، وكان أغلب من روى عن عَمرة وعائشة أقرباؤهما من الرجال. وأما من عرفن بالزهد، ففيهن معاذة بنت عبد الله، وأم الدرداء الصغرى، وحفصة بنت سيرين. وأم الدرداء الصغرى هي زوجة الصحابي أبي الدرداء، رَوت نحو ثلاثة وعشرين حديثًا منها ما روته عن زوجها، ووُصفت في كتب التراجم بأنها كانت تقية زاهدة عابدة تمضي أيامها بين القدس ودمشق، واستشارها رجال من أصحاب السلطة مثل الخليفة الأُموي عبد الملك بن مروان، وسمع منها الحديث عديد من الرجال من غير أقربائها، وفقهاء مثل مَكْحُول الشامي، ولم يذكر الذهبي غيرها من التابعيات في تذكرة الحفاظ. وأما حفصة بنت سيرين، فعرفت أيضًا بزهدها وعبادتها، وبفقهها وعلمها، وذُكر أن أخاها محمد بن سيرين -وهو من كبار علماء التابعين وزهادهم- كان إذا أشكَل عليه شيءٌ في القرآن وجَّه الناس إلى سؤالها، وقد رَوَت نحو سبعة عشر حديثًا منها ما روته عن الصحابيتين رباب بنت صُلَيْع ونُسَيْبَة بنت كعب.
ومن التابعيات أيضًا صفية بنت شَيبة المكيَّة، وهي ابنة الصحابي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة الذي عهِد إليه النبي بحجابة الكعبة، كانت محدثة ثقة ورَوَت نحو أربعة وثلاثين حديثًا، وروى عنها ابنها منصور بن عبد الرحمن ورجال من غير أقربائها. وانتهى دور كبار التابعيات في رواية الحديث مع نهاية القرن الأول الهجري، ولم تظهر شبكة إسناد نسائية بعد التابعين.
الفكرة من كتاب المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام
يستكشف الكتاب دور النساء في رواية حديث رسول الله ﷺ خلال عشرة قرون، بدءًا من الصحابيات في صدر الإسلام وصولًا إلى بداية العصر العثماني في القرن العاشر الهجري، ويحلل أسباب ازدهار دورهن وتراجعه عبر الزمن، ويعرفنا على أشهر المحدِّثَات في كل فترة زمنية.
واعتمد الكتاب على الأسانيد في الكتب الستة وموطأ مالك وبعض كتب السنن الأخرى.
مؤلف كتاب المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام
د. أسماء سيِّد: باحثة أمريكية من أصول هندية مسلمة، حصلت على الدكتوراه من جامعة برينستون في عام 2005، وتعمل أستاذة مشاركة للدراسات الإسلامية بقسم لغات وثقافات الشرق الأدنى في جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، وتهتم بالتاريخ الإسلامي الاجتماعي، وتاريخ التعليم الإسلامي، نُشرت لها مقالات متعلقة بالشريعة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والمرأة المسلمة، وكتابان هما: Law and Tradition in Classical Islamic Thought، والكتاب الذي بين أيدينا “المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام Women and the transmission of Religious Knowledge in Islam”
معلومات عن المترجم:
د. أحمد العدوي: باحث ومترجم، تخرج في كلية الآداب (قسم التاريخ) بجامعة القاهرة، ويعمل أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية في كلية العلوم الدينية بجامعة تشانكالي أونسيكيز مارت في تركيا. نُشرت له أعمال عديدة في التاريخ الإسلامي وتاريخ الأقليات الدينية وقضايا التراث العربي، وترجم أعمالًا عديدة من الإنجليزية إلى العربية منها: “جيش الشرق: الجنود الفرنسيون في مصر 1797 – 1801” لتيري كرودي، وفاز بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الترجمة لعام 2022 عن ترجمته لكتاب “نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي” لجورج مقدسي.