تأصيل لغوي إسلامي (ما هي النفس أولا؟)
تأصيل لغوي إسلامي (ما هي النفس أولا؟)
تذكر الكاتبة هنا معاني للنفس كما جاءت في اللغة، وأيضًا كما جاءت في اصطلاح العلماء، فأما ما جاء في اللغة فيمكننا أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام بحسب الحركات الإعرابية للكلمة فنقول: أن يكون حرف الفاء ساكنًا (نفْس)، وهي المشهورة بيننا، وهي بمعنى أنفس ونفوس، وتدل على معانٍ أخرى، فقد تدلُّ على الدم فيقال: سالت نفسه يعني دمه، وقد تدلُّ على الروح فيقال: فاضت نفسه ويراد بها روحه، وقد تدل أيضًا على ذات الشيء أو جملته وحقيقته وكليَّته، فيقال: ألقى بنفسه في أحضان صديقه، وقد تدلُّ على العزة والأنفة والكبرياء، فيقال: عزة النفس، وهكذا، وهناك النفَس بفتح الفاء، والتي تدل على النسيم، وقد تأتي للدلالة على السعة، فيقال: فلان في نَفَس من أمره، أي في سعة من أمره، وقد تأتي أيضًا للدلالة على الفرج فيقال: نفَّس الله عنك، وقد تأتي للزيادة فيقال: تنفَّس النهار أي طال وزاد ونحو ذلك، وقد تأتي الفاء مكسورة نفِس فتكون للدلالة على الحسد أو الشح، أو للدلالة على نفاس المرأة، ونحو ذلك.
وأما في الاصطلاح فتنقل الكاتبة أقوالًا لأهل العلم من المسلمين قبل أن تشرع في سرد أقوال الإغريق الفلاسفة ونقدها، فتنقل مثلًا قولًا لابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذين يريان إلى جانب جمهور العلماء أن النفس هي الروح، فيقول ابن تيمية: “الروح المدبِّرة للبدن التي تفارقه بالموت هي الروح المنفوخة فيه، وهي النفس التي تفارقه بالموت لكن تسمَّى نفسًا باعتبار تدبيرها للبدن، وتسمَّى روحًا باعتبار لطفها، فإن لفظ الروح يقتضي اللطف”.
ويقول ابن القيم: “إنها جسم نوراني علوي خفيف حي متحرِّك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكًا لهذه الأعضاء، وإفادتها هذه الآثار من الحس…”، وهي عند الفلاسفة تأتي بمعنى الروح غالبًا التي هي مغايرة للنفس، فالنفس عندهم هي نفس الإنسان الناطقة، والروح هي ذلك العالم الخفي الغيبي الذي يحاولون عبثًا سبر أغواره.
الفكرة من كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
نعيش في هذه الحياة محاطين بأسئلتنا حول أنفسنا والآفاق والآخرين، علامات استفهام كثيرة نخاف أحيانًا أن نحاول مجرد الاقتراب من مصادر تجيبنا عنها، وكيف لنا أن نثق فيها مع تعدُّدها ومع ادِّعاء كل واحد منا أنها الحصرية بالحق وحدها!
تكمن الإجابة في “الحق”؛ فللحق وجه لا يشبه بقية الأوجه، وجه ثابت على مر الزمان وفي مختلف الأصقاع لا يتبدَّل ولا يتغيَّر ولا يضطرب، وجه آمن ترتمي في أحضانه بغير شكوك ولا ريبة، ستعرفه وحدك، وربما يساعدك على ذلك أن تلقي نظرة على تلك الأوجه المتعدِّدة حتى إذا وصلت إلى الحق أسلمت نفسك له بغير تفكير، تعالَ أُريك جزءًا يسيرًا من اضطراب الإنسان وحيرته وهو بعيد عن الحق، تعالَ أُريك بعض تلك الأوجه، ونصيحتي لا تطِل البحث ولا النقد، فوقتك في النهاية محدود، وأنت تعرف جيدًا فيمَ يجب عليك أن تنفقه!
مؤلف كتاب النفس عند الفلاسفة الإغريق
حياة سعيد باخضر: أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.