تأديب كيميائي
تأديب كيميائي
لقد صار تناول الأطفال لأدوية الطب النفسي في أمريكا مثل تقويم الأسنان، فحينما يلاحظ الأبوان فرط نشاط الطفل وقلَّة تركيزه فورًا يذهبان به إلى الطبيب ويصف له دواء الريتالين، فسرعان ما يلاحظ الوالدان التغيُّر الجيِّد في حياة طفلهما، لكنهما لا يعلمان أنهما يضعان طفلهما على أول طريق الهاوية.
لقد زاد عدد الأطفال والمراهقين الأمريكيين الذين يتناولون عقاقير معدِّلة للسلوك ثلاثة أضعاف من عام 1987 إلى 1996، واليوم تزداد النسبة أكثر وأكثر، وانتشار عقاقير كهذه يزيد من مشكلات الأطفال والمجتمع أكثر مما تُحل، فعلى الرغم من ادِّعاء الأطباء أن التأثيرات الجانبيَّة لتلك العقاقير مدروسة وآمنة، فإن لها أخطارًا جسدية كبيرة، قد تصل إلى خطر الانتحار المتصاعد.
فالكثير من الآباء والأمهات قد فقدوا الطاقة التي تجعلهم يصبرون على سلوك الطفل، وفقدوا الصبر على الانتباه عليه ومراعاة مراحل نموِّه، فيلجؤون سريعًا إلى الطبيب، ولكي يُريحهم الطبيب يصف لهم عقاقير تؤثر في أدمغة أطفالهم، وليس هذا فحسب، فلأن طبيعة المجتمع في تغيُّر سريع صار إعطاء المراهقين تلك العقاقير لتبديل قلقهم وتوترهم براحة زائفة تعتمد على تغيير كيمياء المُخ.
إلى جانب ذلك لجأ الكثيرون من الآباء إلى المدارس الداخلية العلاجية، أو معسكرات التدريب، أو مدارس النمو العاطفي، وهذه ليست كالمدارس الداخلية التقليدية، وهي تعمل بدورها على غسيل أدمغة المراهقين والأطفال بشكل مؤلم ومتوحِّش لتعديل سلوكه، وقد ذكر مدير إحدى المؤسسات أن نحو 70% من المقيمين ليسوا متطرفين، ولكنهم أطفال لا يستطيعون التواصل في المنزل!
وحين يشتكي الأطفال تطلب المؤسسات عدم الالتفات إلى شكواهم لأنه الطفل المريض هذا قد يكون كاذبًا، نعم يكون الطفل مريضًا أو يعاني مشاكل واضطرباتٍ ولكن هذه المدارس تلجم الطفل وتقتل روحه وتُخرسه، فالحقيقة أن الأطفال كلهم بخير، ولكن المشكلة الحقيقة التي يعانيها المراهقون أنهم يحتاجون إلينا!
الفكرة من كتاب وحيدًا في المنزل
الناظر إلى المجتمع الأمريكي يرى أن الأفراد قد نالوا الحرية في كل شيء، فصارت الخيارات الشخصية مُقدَّمة على غيرها، وقد يعتقد الكثير أنه “نعم” هذا هو المطلوب، وأنه أمر جيِّد، ولكن كانت هذه الحرية المفتوحة كابوسًا جديدًا على عدد كبير من أطفال أمريكا.
تأخذ الأم قرار العمل خارج المنزل، فتترك طفلها في أحد الحضانات أو دور الرعاية حتى ينتهي دوامها، وقد يبدو مشهدًا عاديًّا إذا ما نظرنا إلى قرار تلك الأم وحدها فقط، لكن ماذا عن تراكم ملايين القرارات المشابهة من عدد كبير من الأمهات؟ وما أثرها في الأطفال والمراهقين؟ وما أثرها في السلوك المجتمعي؟ فالكثير ينظر إلى مسألة عمل الأم أو غياب الأب بشكل قاصر على حالة فردية، لكنه ينسى الكارثة المجتمعية الحاصلة.
في هذا الكتاب تكشف لنا الكاتبة من خلال دراسات وإحصائيات وظواهر مجتمعية يعيشها المجتمع الأمريكي مدى أثر هذه القرارات، وكيف تأثَّر المجتمع الأمريكي بهذا الأسلوب في حياة الأسرة.
مؤلف كتاب وحيدًا في المنزل
ماري إبرستاد: باحثة وكاتبة أمريكية الجنسية، وهي زوجة وأم لأربعة أطفال، تعمل في منزلها باحثة لمؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد، وهي أيضًا مستشارة تحرير “مجلة بوليسي” ريفيو، نُشر لها عدد من المقالات ومراجعات الكُتب في عدد من المجلات والصحف مثل “تايم”، و”وول ستريت جورنال”، و”ويكلي ستاندرد”.
من مؤلفاتها:
How the West Really Lost God: A New Theory of Secularization.
Primal Screams: How the Sexual Revolution Created Identity Politics.
معلومات عن المترجم
أسامة إسبر: سوري الجنسية، وُلِد عام 1963، وهو شاعر وصحفي ومترجم، صدر له مجموعات شعرية وقصصية، وترجم عددًا من الكُتب منها: “أحلام آينشتاين” لآلن لايتمان، و”نشأة النظام الأبوي” لغيردا ليرنر.