تأثير فتيات المدن.. واعتراف جاك ماسُّو
تأثير فتيات المدن.. واعتراف جاك ماسُّو
ننتقل الآن إلى نضال المرأة الجزائرية في المدن، وقد انقسم هذا النوع إلى دورين؛ الأول هو الفدائيات، والأخير هو دور المناضلات في جبهة التحرير، فالفدائيات لم يكنَّ ترتدين الزي العسكري لكي لا تثير الشكوك، كما أن أغلبهن من الطالبات اللاتي كُنَّ يُوجِّهن عمليات فدائية ضد الجنود الفرنسيين، وهُن أيضًا أكثر ما عانين من التعذيب في السجون الفرنسية وانتهاك الأعراض والحرمات، ليسجل تاريخ الجزائر أسماء الشهيدات وريدة مداد، وهيبة قبائلي، وفضيلة سعدان، والمئات الأخريات اللاتي كُن رمزًا لصمود المرأة الجزائرية، فتغنَّت بهم القصائد التي أصدرتها دار الفكر في القاهرة بعنوان “جميلة”، وقصيدة “استريحي يا جميلة” التي نظمها الشاعر صالح خرفي إلى جميلة بوحيرد.
أما عن المناضلات في جبهة التحرير، فقد تمثَّلت أدوارهن في تكوين نظام سياسي نسائي مكوَّن من خلايا وأقسام لتعبئة الجماهير الوطنية ونشر مبادئ الثورة ضد المستعمر وجمع التبرُّعات، وكان لذلك النظام النسائي أثر كبير انتشر في المغرب العربي وأوروبا لنشر القضية الجزائرية، وهو ما حدث في المؤتمر الدولي للاتحاد النسائي الديمقراطي بفيينا عام 1958.
هناك أيضًا “المسبلات”، وهن النساء اللاتي تمثَّلت أدوارهن في الاتصال بين الجبهة والجيش، وكانت أدوارهن مختلفة بين حراسة المجاهدين وتبليغهم وإخفاء الأسلحة وشراء الأدوية للجرحى، ولقد اعترف الجنرال الفرنسي “جاك ماسُّو” بدور المرأة الجزائرية أثناء حرب التحرير تلك، إذ قال: “لقد حملت المرأة الجزائرية القنابل ووضعتها في الأماكن المناسبة وأصبحت جماعة تشكِّل شبكة حقيقية بفضل أجهزتها وجمالها الفاتن والبراءة المصطنعة”.
الفكرة من كتاب نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية
“إن أطفالنا لا يفرُّون إلى البيت حين يرون جنود الاستعمار، فهم لا يخافون منهم ولا يطيعون تعليماتهم وأوامرهم”، هكذا قالت امرأة جزائرية ريفية خلال حرب التحرير الجزائرية التي اندلعت في الأول من نوفمبر عام 1954م الجزائرية في وجه الاستعمار الفرنسي بإعلان الحرب المسلَّحة ضد أحد أعتى جيوش العالم بجيش صغير وأسلحة تقليدية، لكن سرعان ما تحوَّل إلى جيش منظم ذي كتائب وفيالق ومدد بشري، ليسقط أكثر من مليون ونصف المليون من أبناء الجزائر أمام حملة الإبادة التي نفَّذتها فرنسا، ولتُكتَب النهاية بانتصار الوطن الجزائري واستقلاله، لكن ما تميَّزت به تلك الثورة بحق هو دور المرأة الجزائرية فيها الذي اختلف عن دور المرأة في أي ثورة أخرى.
إن ما قالته تلك السيدة يمكن أن يُظهِر مدى التربية التي نشأ عليها ثوار الجزائر للتصدِّي للقوَّة الفرنسية، إذًا فبناء الأُمَّة لا يبدأ إلا ببناء المرأة، ويناقش هذا الكتاب تأثير المرأة منذ حركات التحرير الأولى وحتى حرب الجزائر في عمليات القتال والاتصالات والدعاية والتعليم بجانب التمريض.
مؤلف كتاب نضال المرأة الجزائرية خلال الثورة التحريرية
أنيسة بركات درَّار: هي كاتبة جزائرية، حصلت على درجة الدكتواره في الآداب عام 1973 بجامعة الجزائر، وعملت باحثة في المركز الوطني للدراسات التاريخية، كما شاركت كمجاهدة في صفوف جيش التحرير الوطني بالجزائر ضد الاستعمار الفرنسي عام 1956م، ومن أهم مؤلفاتها:
أدب النضال في الجزائر من سنة 1945 حتى الاستقلال.
محاضرات ودراسات تاريخية وأدبية حول الجزائر.