تأثير الترجمة في المجتمع المصري
تأثير الترجمة في المجتمع المصري
كان الغرض الأساسي من الترجمة تزويد المدارس والتلاميذ بالكتب في مختلف العلوم والفنون الجديدة التي يُراد نقلها عن أوروبا، وكان يُطبَع من كل كتاب ألف نسخة، ويوزَّع العدد الأكبر على تلاميذ المدارس، فكانت فائدة هذه الكتب محدودة لا تتعدَّى جدران المدرسة، فلم يقبل على قراءتها تقريبًا إلا المصحِّحون والمحرِّرون الذي شاركوا في نقلها، وعدد قليل من أمثال الشيخ حسن العطار شيخ الجامع الأزهر، أما الغالبية العظمى من شيوخ الأزهر وطلابه فقد اتخذوا موقفًا سلبيًّا من حركة محمد علي الإصلاحية، إذ كانوا يسخرون من المصريين الذين تعلَّموا في أوروبا، واتهموهم أنهم تلقَّوا علمًا سطحيًّا، ولم يكن سبب اتخاذهم هذا الموقف هو المحافظة على تعاليم الدين الإسلامي، بل كان الدافع الحقيقي نوعًا من الضيق في التفكير، واعتيادهم ما حفظوه من الكتب القديمة.
ويمكن التماس العذر لهؤلاء المعارضين نتيجة أن العدد الأكبر من الكتب المترجمة كانت كتبًا علمية بحتة، وفهم هذه العلوم كان يحتاج إلى أسس من المبادئ الأولية التي لم تُتَح الفرصة لشيوخ الأزهر لتلقيها، وهذا يقودنا إلى التساؤل، هل كان محمد على محقًّا عندما ترك معاهد العلم القديمة كما هي، وأنشأ بجانبها المدارس الجديدة؟ أم كان من الأفضل أن يحاول خلط القديم بشيء من البرامج والدراسات الجديدة، حتى يأتي يوم يتقابل فيه الجديد والقديم؟ والإجابة عن هذه الأسئلة عسيرة، وكل ما يمكن الإجابة عنه أن هذا الجمود من شيوخ الأزهر منعهم من السير مع القافلة، فازداد الاهتمام بالعلوم الحديثة ومترجميها، وتلاميذها، وبدؤوا يحتلُّون مقام الزعامة الفكرية في مصر.
وعاشت حركة الترجمة في عصر محمد علي نحو عشرين عامًا، كان الجهد من خلالها متجهًا كله إلى الترجمة فقط، ولم يجد تلاميذ المدارس ومدرِّسوها وخرِّيجوها الفراغ الكافي ليستجيبوا للثقافات التي تلقَّوها، وكانوا يترجمون ما يؤمرون بترجمته، لا ما يريدون ترجمته، وما يؤمرون بترجمته كان علمًا خالصًا لا يستطيع القراء العاديون أن يقرؤوه، ولهذا كان تأثير الترجمة في عصر محمد علي في المجتمع المصري ضئيلًا، والأثر الوحيد في الواقع للترجمة في عصر محمد علي كان بعد وفاته وإلغاء مدرسة الألسن، إذ تولَّى إسماعيل باشا الحكم واستؤنفت النهضة، ورجع تلاميذ مدرسة الألسن القديمة، فانطلقوا يترجمون من جديد، بل وانطلقوا يؤلفون.
الفكرة من كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
لعبَت الترجمة دورًا مهمًّا في بناء الدولة المصرية الحديثة؛ إذ أدرك “محمد علي باشا” أنه لا يمكن النهوضُ بالدولة دون التعرُّف على مُنجَزات الحضارات الأخرى، والاستفادةِ مما أحرزَته في مضمار التقدُّم والرُّقي؛ لذا اهتمَّ «محمد علي باشا» بالترجمة، واعتبرها ركيزةً أساسيةً لبناء دولته، ومن خلال صفحات هذا الكتاب ستتعرَّف إلى أي الدول الأوروبية اتجه محمد علي عند النقل؟ ومتى بدأ سياسته الإصلاحية، وما أغراض بعثاته العلمية؟ كما ستجد أيضًا تتبُّعًا تفصيليًّا لحركة الترجمة في هذا العصر، بدايةً من إعداد المترجمين، وانتهاءً بمرحلة الطباعة والنشر.
مؤلف كتاب تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
جمال الدين الشيال: مؤرخ مصري، ورائدٌ مِن روَّادِ الدراساتِ التاريخية، وعَلَمٌ من أَعْلامِ الفِكرِ العربي، حصل على الدكتوراه في التاريخ من كلية الآداب، وعُيِّن أستاذًا للتاريخ الإسلامي المساعد بجامعة فاروق الأول، وترَكَ لنا الشيالُ العديدَ مِنَ المُؤلَّفاتِ والأبحاثِ والدراساتِ المهمَّة، مِنْها:
تاريخ دمياط.
تاريخ الإسكندرية في العصر الإسلامي.
مجموعة الوثائق الفاطمية.
مصر والشام.