تأثير التحول من الكتب التقليدية إلى الكتب الإلكترونية في عقولنا
تأثير التحول من الكتب التقليدية إلى الكتب الإلكترونية في عقولنا
من بين جميع وسائل الإعلام الرائجة كان “الكتاب” أكثر وسائل الإعلام مقاومة لتأثير شبكة الإنترنت حتى وقت قريب، فأنت لا تخشى عليه السقوط، ولا تحتاج إلى توصيله بالكهرباء، ورغم الضجة التي أحدثتها الكتب الإلكترونية عند ظهورها، فإن كثيرًا من القرَّاء كانوا يفضلون القراءة من الكتب التقليدية لما في ذلك من متعة وسهولة، لكن مع الوقت تطورت القارئات الرقمية بشكل كبير، فتلاشت الفجوة بين الكتاب التقليدي والكتاب الإلكتروني، وأصبحت مبيعات الكتب الإلكترونية تزداد يومًا بعد يوم، وبشكل أسرع من مبيعات الكتب التقليدية، فمن بين 275 ألف كتاب إلكتروني وتقليدي على موقع أمازون عام 2009م، شكلت مبيعات الكتب الإلكترونية ما نسبته 35%.
يلوح في الأفق سؤال هام: ماذا يعني استبدال الكتب الإلكترونية بالكتب الورقية؟ يعني في الحقيقة تغير تجربة القراءة، وازدياد تشتت تركيزنا، فأنت عندما تقرأ في كتاب ما، فإنك لا تركز على قراءة الكتاب فحسب، بل فجأة تنتقل إلى موسوعة ويكيبيديا، ثم تقفز لتتصفح شبكة الإنترنت، ثم تتبع رابطًا يروي قصة ما، ومن ثم تجد نفسك قد خرجت من قراءة الكتاب في لحظة تشتت، ولم تعد إليه إلا بعد مرور ساعة أو أكثر، وربما لا تعود إليه مرة أخرى في ذلك اليوم، ومن ثمَّ يفقد الكتاب “حدوده” ويضيع في بحر شبكة الإنترنت، ويرى مراقبون أنها مسألة وقت حتى تغزو وظائف التواصل الاجتماعي القارئات الرقمية، إذ يمكنك في أثناء قراءة الكتاب أن تدردش في محادثة مع زميلك وتتبادلان الملاحظات عن المعلومات التي يتضمنها الكتاب.
وفوق كل ذلك، فإن طبيعة النص الرقمي القابل للمحو والإضافة له تأثير كبير في أسلوب الكتاب، فالكتاب المطبوع منتج مكتمل لا يقبل المحو أو الإضافة، ومن ثم كان المؤلفون يضعون في أذهانهم أن يخرجوا الكتاب في أفضل صورة تخلد ذكراهم، أما الكتاب الإلكتروني فهو عملية مستمرة من المحو والإضافة، ويمكن مراجعة الكتاب إلى ما لا نهاية. إن هذه التغيرات الطفيفة بين الكتاب التقليدي والكتاب الإلكتروني، يمكن أن نلاحظها في فقدان الفصاحة وعدم الدقة في المعلومة المقدمة إلى القارئ، وهو ما يفقد الكتاب وظيفته وأهميته، وقد قال “أساتذة جامعة نورث ويسترن” في مقال عام 2005م: “إن التغيرات التي طرأت على القراءة تشير إلى أن عصر قراءة الكتب كانت مرحلة شاذة في التاريخ، إذ نشهد اليوم أقلية مهتمة بالقراءة”
الفكرة من كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
عندما تظهر أي وسيلة إعلام جديدة لنقل المعلومات، فإن الناس ينشغلون بالمحتوى الذي تنقله ويختلفون ويتناقشون حوله، فمثلًا يهتمون بالأخبار التي تنقلها الصحف، والبرامج التي ينقلها التلفاز، والكلمات التي ينقلها الطرف الآخر عبر الهاتف، فتتوارى التقنية ذاتها خلف المحتوى الذي تنقله، وجاءت شبكة الإنترنت لتكون آخر وسيلة تثير النقاش والخلاف، فالبعض يبشِّر بعصر ذهبي لإمكانية الوصول إلى المعلومة ومشاركتها، والبعض الآخر يشكك وينذر ببدء عصر من الظلام تخيم عليه الضحالة والنرجسية
وبين هذا وذاك يغيب عن الأذهان أن التقنية تُغيِّر أنماط الإدراك دون أي مقاومة من مستخدميها، لدرجة أننا لا نلاحظ ما يجري داخل رؤوسنا، وفي الوقت نفسه نظن أننا نُمسك بزمام الأمور لنُرضي كبرياءنا، مع أن الواقع يخبرنا أن شبكة الإنترنت أصبحت السيد والخادم في آنٍ واحد، ومن هذا المنطلق يأتي هذا الكتاب ليكشف لنا المخاطر المُحيطة بالإنسان في ظل الإنترنت والمجتمعات الرقمية التي سلبت الإنسان واقعه المادي الملموس، ودفعته دفعًا إلى عالم رقمي مليء بالأوهام والأمراض والاستلاب.
مؤلف كتاب السطحيون.. ما تفعله شبكة الإنترنت بأدمغتنا
نيكولاس كار: هو كاتب أمريكي حاصل على الماجستير في الإنجليزية والأدب الأمريكي من جامعة هارفارد، له مقالات وكتب عديدة حول التقنية والأعمال والثقافة. من مؤلفاته:
The Glass Cage: How Our Computers Are Changing Us
The Big Switch: Rewiring the World, from Edison to Google
Utopia Is Creepy: And Other Provocations
معلومات عن المترجم:
وفاء م. يوسف: هي كاتبة ومترجمة قانونية بمركز ترجمة اللغة الإنجليزية بجامعة البحرين. من ترجماتها:
الثراء للأزواج الأذكياء.
السطحيون.