بين ناس الكلمة وناس الشاشة
بين ناس الكلمة وناس الشاشة
قديمًا كانت الثقافة تدور حول الكلمة المنطوقة، وكنا ناس الكلمة، ثمَّ جاءت الطباعة وبُنيت الحضارة الحديثة بالنصوص المكتوبة في القوانين والأدب وغيرهما وصرنا ناس الكتاب، أما اليوم فقد صارت الشاشات في كل مكان، ولم تعد الكلمات تُكتَب بالحبر الأسود، بل صارت تُعرَض على أسطح زجاجية تومض بالألوان وصار كثيرٌ منا من ناس الشاشة؛ نشاهد الكلمات ونقرأ الصور، لا ننتظر الحقائق من المؤلفين والسلطات، بل نصنعها –نحن الجمهور- في اللحظة الحالية، لا نهتم بالنسخ الثابتة، بل بقدر الوصول والتدفُّق، ثقافة الشاشة ثقافة متغيرة سائلة سريعة، تُثير الخوف في حضارة بُنيَت على منطق النص الثابت، وتجعل تغيير الأكواد والخوارزميات ممكنًا من قِبل الجميع ليحركوا الآخرين ويؤثروا في السلوك الجماعي. في بداية عصر التكنولوجيا اختفت الكلمات كتابةً وقراءة لبعض الوقت مع التلفاز، لكن مع ظهور الأجهزة اللوحية والإنترنت صرنا نقرأ ونكتب أضعاف ما كان يفعل أجدادنا، مع العلم أن القفز بين البتات المجمعة في شكل مشتِّتٍ للانتباه ليس كالقراءة في كتاب يُغيِّر دارات الدماغ وينشِّطها ويُنقلك إلى فضاءٍ أدبي خاص، وهذا يجعل ناس الكتاب قلقين من موت الكتب كمعيار ثقافي.
ماذا عن الكتب الإلكترونية؟ إنها تتطوَّر لتصبح أقل شبهًا بالكتب الورقية مع الوقت، ولتصبح فعلًا أو عملية أكثر من كونها نصًّا، من خلال قابلية البحث والتحرير وإضافة التعليقات والاختلاط الجماعي والكثير من المشاركة، ومع روابط تشعُّبية تربط الكتب بعضها ببعض لتكوِّن معًا المكتبة الشاملة التي تضم كل المعرفة في مكان واحد والتي كانت حلمًا منذ مكتبة الإسكندرية القديمة.
الفكرة من كتاب الحتمي.. فهم القوى التكنولوجية الـ12 التي ستشكِّل مستقبلنا
تتقدَّم التكنولوجيا وتتوسَّع بسرعةٍ كبيرة جدًّا، أكبر من قدرتنا على تهذيبها وترويضها، ومواجهتها بالصد أو التجاهل سيأتي بنتائج عكسية، لذا علينا أن نقبلها بشكلٍ يقِظ، وهذا الكتاب بمثابة دليل يُساعدنا على فهم القوى التكنولوجية المتداخلة التي تشكِّل مسارات التطور.
مؤلف كتاب الحتمي.. فهم القوى التكنولوجية الـ12 التي ستشكِّل مستقبلنا
كيفن كيلي : كاتب ومصور ومتحدث أمريكي، ولد سنة 1952، مهتم بالثقافة الرقمية والثقافة الآسيوية، من مؤلفاته: “ما تريده التكنولوجيا ?What Technology WantK” و”جمال آسيا Asia grace”، و”أدوات لطيفة: قائمة بالاحتمالات Cool Tools: A Catalog of Possibilities”، وكتابه الذي بين أيدينا يُعد من الكتب الأفضل مبيعًا على قائمة نيويورك تايمز.
معلومات عن المترجم:
عبد الرحمن أياس: باحثٌ وكاتب ومترجم لبناني، تولى مناصب صحفية كثيرة، وهو مهتم بالاقتصاد والتكنولوجيا والمجتمع والسياسة، ومن أعماله: “التقشُّف” لمارك بلايث الصادر عن عالم المعرفة، و”التسعينات الهادرة” لجوزيف ستيغليتر، و”البندقية وغصن الزيتون” لديفيد هيرست.