بين مطرقة الحقيقة وسندان العادة
بين مطرقة الحقيقة وسندان العادة
عندما نهم بالحكم على الأشياء ونبحث في سبب حكمنا عليها نتعرض لمعضلة، فبدلًا من أن نستكشف حقيقة ما توصلنا إليه، نبحث عن أدلة لدعم آرائنا ومعتقداتنا أو ما توصلنا إليه بالفعل من خلال النظام الأخلاقي أو المجتمعي البدهي، وهذا ما يسمى بالتفكير التأكيدي، وهو على خلاف التفكير الاستكشافي الذي يسعى إلى معرفة الحقيقة كما هي، وتكون عنده القابلية لتغيير حكمه إذا ما استجد جديد، لكن لوحظ أننا نميل إلى التفكير التأكيدي أكثر من الاستكشافي، وعلى هذا المنوال فلن ينتج أي حوار سوى الفرقة، ولن نستطيع التواصل مهما حاولنا، لأن المرء لا يرى إلا ما يريد رؤيته، فحتى الشرير لديه دوافع سامية نبيلة وقد يثبت لك هذا بالفعل، فالشرير لا يرى نفسه شريرًا، فكيف يمكن أن نتحاور إذا ظل الوضع على ما هو عليه؟ وهل هناك طريقة ليتفوق الفكر الاستكشافي على الفكر التأكيدي؟
أجل، قد يستطيع المرء تدعيم الفكر الاستكشافي عنده إذا أدرك أنه مسؤول أمام الجمهور قبل اتخاذ أي قرار، ويكون جاهلًا بآراء هذا الجمهور، وأخيرًا يؤمن أن الجمهور على اطلاع جيد ومُهتم بالدقة، وهذا يحتاج إلى مجاهدة، إذ إن أساس العقل الجدال وتقديم حجج شديدة الإقناع سواء لأنفسنا أو الآخرين، وليس التوصل إلى استنتاجات منطقية.
وهنا تأتي فكرة التريث في الحكم، من باب أن تعطي للناس ولنفسك مساحةً للتأمل والنظر في كثير من الأشياء التي نجهلها، بدلًا من محاصرة الناس والتضييق عليهم بالتقييمات والاندفاعات الفجائية، فأي رأي توصلت إليه قابلٌ دائمًا للمراجعة، فنحن غالبًا ما نحكم على الأشياء من وجهة نظر مبدئية مؤقتة، وحتى إن كان من الممكن تغييرها مع ظهور أدلة وحجج جديدة، لا يكون القرار نهائيًّا أبدًا، فهذا يقلل من سطوة الحكم ويصبح أكثر ارتباطًا بظروف معينة، لكن مفهوم الحكم دائمًا ما يظل راسخًا موجودًا، وهذا ما يدفعنا أحيانًا إلى تمني الهروب من تلك الأحكام.
الفكرة من كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
هل سبق أن تعرضت لحكم مجحفٍ فاستشطت غيظًا وضيقًا، وشعرت بالحرج أو الذنب أو العار؟ وهل انتابتك حالة من الاضطراب والرغبة في الاختفاء؟ وهل تشعر أن هذا يمس سمعتك وشرفك؟ ومن ثم تتساءل مليًّا عما إذا كان من الممكن التواصل مع أحدهم فيراك على حقيقتك، لا على ما يريد هو أن يراه؟ ثم تُعمِل عقلك قليلًا وتتأمل في ماهية الحكم، ومن أين نستمد معاييرنا للحكم على الأشياء بالصواب والخطأ؟
نحن نسمع ترانيم الصباح وصوت زقزقة العصفور، فنتمنى لو استطعنا الانفكاك والهروب والتحليق كالعصافير والطيور، فهل هذا ممكن؟ ما الذي نبحث عنه؟ وما جدوى كل هذا؟
يحاول الكاتب الإجابة عن تداعيات تلك الأفكار، تاركًا لك مساحةً من التأمل والاستبيان، منطلقًا من أننا جميعًا حيوانات اجتماعية، لن ننفك ولو للحظةٍ عن إصدار وتلقي الأحكام -كما فعلت بالضبط فور رؤيتك لعنوان الكتاب- فنخوض في مشاعر الألم الاجتماعي، وسبب شعورنا بها، والسمات الأساسية للأحكام الاجتماعية، ومدى إمكانية الانفكاك عن المجتمع وعيش عيشةٍ هانئةٍ مستقلة، وأخيرًا، هل نجيد الإصغاء حقًّا؟ وهل يمكن لنا أن نروي قصصنا كما هي؟
مؤلف كتاب الأحكام، قيمة أن يساء فهمك
زياد مرار: كاتب ومؤلف، ولد عام 1966م في العراق، وفي العاشرة من عمره انتقل إلى لندن، وحصل على شهادة البكالوريوس في علم النفس في جامعة إكستر، كما أنهى درجة الماجستير في الفلسفة وعلم النفس من كلية بيركبيك، ويشغل منصب رئيس النشر في مؤسسة “سيدج”، وله كتب عدة تجمع بين اهتمامه بعلم النفس والفلسفة من بينها:
Deception.
The Happiness Paradox.
Intimacy: Understanding the Subtle Power of Human Connection.
معلومات عن المترجم:
أحمد سمير درويش: تخرج عام 2014م في كلية الهندسة جامعة السويس، لكنه سرعان ما اكتشف شغفه بالترجمة، فعمل مترجمًا حرًّا لدى بعض المؤسسات، ويعمل حاليًّا لدى مؤسسة هنداوي في وظيفة مترجم أول، وترجم عديدًا من الكتب، مثل:
الثقوب السوداء.
رجال عدالة قرطبة.
وسط أجراس الخطر.