بين الماضي والحاضر
بين الماضي والحاضر
كَي يستطيع المُربي فهم طِفله لا بد له من فهم ذاته أولًا، وبناء الوعي الذاتي بماضيه، ذلك لأن الأفكار النابعة من حوادث الطفولة باختلافها تؤثر بشكلٍ واضح في طريقة تعامل الأبوين مع أبنائهما، وصنَّف الكاتب الحضور الناتج عن الوعي الذاتي بالماضي، بالحضور الداخلي النابع من الأفكار الداخلية النابعة عن آثار الماضي، والوجود الخارجي وهو الجانب الحسي المتفتِّح من المربي الذي يتحقق به الحضور بهيئته النهائيَّة، ويرى الكاتب أيضًا أن بإمكان المربِّي تطبيق الحضور بشكلِهِ الأمثل بغض النظر عن طريقة التربية التي تلقَّاها في الماضي، فعلى الرغم من النتيجة التي تم التوصُّل إليها بناءً على تجربة علميَّة تمَّت فيها متابعة عدة أطفال تحقَّق بينهم اختلاف نوع الارتباط بوالديهم، فهناك من تحقَّق فيه الارتباط الآمن فكانت علاقتهم بمثابة قاعدة آمنة، أمَّا من كان ارتباطهم غير آمنٍ فقد انقسموا إلى ثلاثة أقسام: الارتباط الاجتنابي: وهو ناتج عن عدم فهم لاحتياجات الطفل مع عدم الاكتراث لها، والذي بدوره يقوم الطفل بتجاهل عواطفه كرد فعل دفاعي تجاه الإهمال الحاصِل من والديه،
والارتباط المتناقض: وهو ناتج عن اضطراب في استجابة الوالدين لحاجات طفلهما، فتارةً يكونان متفهِّمين، وتارة يحدث العكس بشكلٍ مضطربٍ ومُموَّج، وينشأ عن هذا الارتباط طفلٌ لا يستطيع الوُثوق بنفسه ولا بمن حوله، أما آخر أنواع الارتباط غير الآمن وأصعبها فهو الارتباط غير المنظَّم، وهو ناتج عن الخوف سواءً كان الوالدان خائفين أو هما بذاتهما مصدر الخوف لدى الطفل، والذي بطبيعة الحال ينشأ عنه طفل خائف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وقد تمت ملاحظة الأطفال لمدة ثلاثين عامًا بعدها ووجدوا أنهم ما زالوا في نطاق نوع الارتباط رغم مرور الزمن، مع العلم بأهمية معرفة أنه لا يوجد شخص تمت تنشئته بنوع ارتباط واحد وإنما يغلب نوعٌ على البقية، لكن ما يدعو إلى التفاؤل ويساعد على سعي الأبوين للإصلاح بغض النظر عن ماضيهم هو أننا وُلِدنا جميعًا ونحنُ نميل بالفطرة إلى تحقيق غريزة التواصُل التي بدورها تؤثِّر في معرفتنا بذواتنا من خلال الأشخاص المهمِّين في حياتنا، والأمر الآخر أن الارتباط الآمن أمرٌ يمكن اكتسابه مع السعي، فربما لا يمكن تغييرُ الماضي، ولكن يُمكن تغيير طريقة فهمنا له، ويأتي هذا الفهم من الاعتراف بالماضي بشكلٍ مفصَّل لا مجرد ذكرياتٍ عشوائية، وتجنُّب الهروب منه.
الفكرة من كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
إن شعور الطفل بوجود شخصٍ على الأقل في حياتهِ لأجلِه، عبارة من منبع من بواعث الأمان في نفسِه، هذا الاحتياج الشديد إلى الوجود في الطفولة إذا لم يُشبَع سيؤثِّر بشكلٍ عميق جدًّا وسلبي في حياة ذلك البالغ الذي لم يشبع من الأمان في طفولته، وهذا الوجود لا يتطلَّب صورة أبويَّة من المثاليَّة على الإطلاق، إنما يحتاجُ الصدق في السعي لا أكثر، ويدور فلك هذا الكتاب عن كيفية تحقيق الوجود المتمثل في عناصره الأربعة: الحماية، والتفهُّم، والتهدئة، والأمان، فعندما تتوافر هذه العناصر يمكن بكل سلاسة إصلاح العطب، وترميم الصدع الناتج عن الأخطاء البشرية التي لا فرار منها في عملية التربية، والحياة بأسرها، ولا يعتمد الوجود على الأثر المعنوي فقط من ثقة ومحبة وأمان، وإنما يمتد إلى الآثار الفسيولوجية الناتجة عن النمو المتكامل للمخ، وأيضًا مرونة الجهاز العصبي في جسم الطفل، والنفع الناتج عن هذا الارتباط الآمن إنما هو نفعٌ متعدٍّ للطفل وللوالدين على حدٍّ سواء.
مؤلف كتاب قوة الحضور: كيف يشكِّل حضور الأبوين شخصية أطفالنا وطريقة تفكيرهم
دانيال جيه. سيجل: طبيب وعالم نفس، وُلِد في الثاني من سبتمبر عام 1957م بالولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على دكتوراه في الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا، ويعمل مُحاضرًا في نفس الجامعة التي تخرج فيها.
تينا باين برايسون: مُعالِجة نفسية ومؤسسة لمعهد play strong الذي يدعم فلسفة المُعالجة النفسية باللعب، تخرَّجت في جامعة بايلور، وحصلت على الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا.
اشتركا أيضًا في تأليف كتاب “طفل المخ الكامِل”.