بين الصدِّيق والفاروق
بين الصدِّيق والفاروق
حاول العقّاد عقد مقارنة بين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فبيَّن أن النموذجين متقابلان في الملكات، ولا يعني التقابل بتقابل الضدين اللذين يتناقضان كما يتناقض الصواب والخطأ، بل المقصود بالتقابل الذي يتمم فريقًا، ويعينه بقوة نافعة.
ويرى المؤلف أن الصدِّيق نموذج الاقتداء والفاروق نموذج الاجتهاد، وكلاهما يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويحرص على سنته، ويعجب به غاية ما في وسعه من إعجاب، وإن بينهما فارقًا بسيطًا لطيفًا لخَّصه العقاد في قوله: “فأبو بكر كان يعجب بمحمد النبي، وعمر كان يعجب بالنبي محمد”، فحب أبي بكر لشخص محمد هو الذي هداه إلى الإيمان بنبوته، في حين أن اقتناع عمر بنبوة محمد هو الذي هداه إلى حبه والولاء له والحرص على سنته ورضاه، ولهذا كان الصديق صاحبًا آمن بصاحبه الذي يطمئن إليه ويحمد خصاله، وكان عمر عدوًّا ردَّه الاقتناع إلى مودَّة الرجل الذي كان ينكره ويعاديه، ولهذا كان أبو بكر يطيع محمدًا فيفهم القرآن، وكان عمر يأخذ القرآن أو بما يفهم من مشيئة الله فيناقش محمدًا حتى يثوب إلى الفهم الصحيح.
وعند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك الموقف الذي فاجأ كليهما، اختلف رد فعل كلٍّ منهما، فغضب عمر بن الخطاب وثار على من قالوا إن محمدًا قد مات، ولكن أبو بكر فقد صبر وسلَّم بما كتبه الله، وموضع العبرة -بل موضع الإعجاز- هو تلك الدعوة التي شملت هذه القوة كلها في طيَّة واحدة، وضمت هؤلاء الرجال جميعًا حول رجل واحد.
الفكرة من كتاب عبقرية الصديق
يتناول العقاد شخصية الصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه من زاوية مُختلفة، استكمالًا لسلسلة العبقريات لديه، فالكتاب لا يتناول شخصه وحياته رضي الله عنه بصورة تقليدية، بل يتناوله تحليلًا ودراسةً وتفصيلًا من خلال مواقفه رضي الله عنه، فتناوله صديقًا وأبًا وحاكمًا، كما عقد مقارنات بين الصدِّيق والفاروق تُظهر تميُّز كلتا الشخصيتين في جوانبها المختلفة.
مؤلف كتاب عبقرية الصديق
عباس محمود العقاد: أديب ومفكر وصحفي وشاعر مصري، ولد في أسوان عام 1889م، حصل على شهادة الابتدائية لكنه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات، منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلُّمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
أضاف إلى المكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، فمن مؤلفاته: سلسلة العبقريات والإنسان في القرآن والتفكير فريضة إسلامية، وغيرها الكثير، تُوفِّيَ العقاد في القاهرة عام 1964م.