بين الأدب والطب
بين الأدب والطب
بحلول موعد التخرُّج في الأدب الإنجليزي وعلم الأحياء البشري، لم يحرِّك بول الرغبة في التخرُّج بقدر ما كانت تدفعه رغبة حقيقية في فهم ما الذي يضفي معنى على حياة الإنسان؟ نعم يظل الأدب يقدِّم تفسيرًا أفضل لخبايا العقل وأسراره، في حين يوضِّح علم الأعصاب أدق قوانين المخ، وأن قيمة الحياة على الرغم من كونها مفهومًا غامضًا لا تنفصل بأية حال عن العلاقات الإنسانية والقيم الأخلاقية، كما أن الأدب لا يكشف لنا تجارب الآخرين وحسب، بل يقدِّم الأساس الأفضل للتأمُّل الأخلاقي.
قبل التقديم لكليَّة الطب درس بول الفلسفة والأدب وعلم الأعصاب، وعمل في مركز التصوير بالرنين المغناطيسي في محاولة لفَهم عميق لحقيقة المُخ، لكي يفهم كيف يستطيع المخ بوصفه عضوًا أن يجد قيمة في هذا العالم؟ وفي سنة التخرُّج وتحديدًا في واحدة من محاضرات علم الأعصاب الأخيرة التي تناولت العلاقة بين علم الأعصاب والأخلاق، زار بول وزملاؤه مركزًا لعلاج المصابين بإصابات خطيرة في المخ، وبمجرد الدخول كان الوضع مدهشًا! فهناك صوت الضجيج وأصوات بكاء، وغيرها من المشاهد العجيبة.
ومن خلال حديث بول مع المرشدة اكتشف أن العديد من المقيمين بالمركز قد تعرَّضوا للغرق في طفولتهم وتم إنقاذهم، وعلى مدى السنوات تقل زيارات عائلاتهم إليهم، إلى أن يصبح عدد الزيارات تقريبًا صفرًا، وفي تلك الزيارة تعامل بول مع فتاة صغيرة مريضة تعاملًا بسيطًا فابتسمت له، لكن كانت إجابة المرشدة له أنه قد يعتقد ذلك ويصعب التأكد من هذا، ولكنَّه كان مُتأكدًا بابتسامتها وتفاعلها معه، وبتلك الزيارة أُضيف له بعدًا جديدًا لفهم حقيقة أن المخ هو المسؤول عن تشكيل قدرة الإنسان على تكوين العلاقات، وهو ما يجعل الحياة ذات المغزى! ولكن أحيانًا قد يتعطَّل المخ!
الفكرة من كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
ما الذي يجعل للحياة مغزى وجدوى، إذا كانت جميع المخلوقات ستُنفى في النهاية؟ ولماذا يصبح الإنسان مُجرد اسم حين يتذوَّق الموت؟ وما قبل الموت.. المرض، الألم، الحُزن..
في هذا الكتاب سيرة ذاتية لطبيب شُخِّص بسرطان الرئة وصار مُعرَّضًا للموت، بعد أن كان يُعالِج الذين يصارعون الموت، ويمر بمراحل تحوُّل الطبيب من طالب طب ساذج أسير -على حد تعبيره- إلى طبيب، فيصير جرَّاح أعصاب يتعامل مع المخ، وأبًا وزوجًا يتعامل مع الحياة.
مؤلف كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
بول كولانثي Paul Kalanithi: جرَّاح أعصاب وكاتب، وُلد عام 1977، تخرج في جامعة ستانفورد بدرجة البكالوريوس في علم الأحياء البشرية، وبالماجستير في الأدب الإنجليزي، ثم حصل على درجة الماجستير في تاريخ وفلسفة العلوم والطب من جامعة كامبريدج، ثم تخرج بتقدير امتياز في كلية الطب بجامعة ييل.
وفاز بجائزة الأكاديمية الأمريكية لجراحة الأعصاب وهي أعلى جائزة في ذلك المجال، ثم عاد إلى ستانفورد للتدريب على جراحة الأعصاب وللحصول على زمالة ما بعد الدكتوراه في علم الأعصاب، ألَّف أكثر من عشرين منشورًا علميًّا وحصل على أعلى جائزة للأكاديمية الأمريكية للجراحة العصبية.
توفي بول في عام 2015 بعد تشخيصه بسرطان الرئة، وكان ذلك سبب تأليف كتابه “عندما تتحوَّل الأنفاس إلى هواء”.