بيت الذكريات
بيت الذكريات
إذا أردنا الحديث عن الذكريات والذاكرة فلن نستطيع إغفال البيت الذي تسكنه الذكريات وهو الدماغ، ولو تخيلنا الدماغ على أنه بيت، فسنجد داخله ملايين الملايين من الغرف، وكل غرفة تسمى خلية عصبية، ويوجد في كل غرفة أو خلية عصبية ثلاثة مكونات أساسية وهي: جسم الخلية، والمحور، والزوائد الشجرية. أما الطرقات بين الغرف فتسمى مناطق التشابك العصبي، وهي عبارة عن اتصال بين الزوائد الشجرية لخليتين عصبيتين، وتتواصل الغرف -التي تعرف الآن أنها رمز للخلايا العصبية- من خلال مركبات كيميائية تُعرف باسم النواقل العصبية. هذا هو بيت الذكريات، ولكن أين تسكن بالتحديد؟! تسكن الذكريات في طرقات البيت، أي مناطق التشابك العصبي، وكلما كانت الذكرى أقوى وأكثر حضورًا دلّ هذا على قوة التشابك العصبي بين خلايا الدماغ الحاملة لهذه الذكرى والعكس بالعكس.
سننتقل الآن إلى جزئية جديدة لنعرف كيف تعالج أدمغتُنا أحداثنا وذكرياتنا، تستقبل أدمغتنا كثيرًا من المعلومات والبيانات حول النظر والسمع والتذوق والشم والإحساس، بالإضافة إلى الجاذبية والحرارة ووضع الأطراف بالنسبة إلى بقية الجسم وحالة الأعضاء الداخلية -وهذا على سبيل المثال لا الحصر- ثم تُعالج هذه المعلومات داخل الدماغ وتخرج على هيئة أفعال أو تصورات حول العالم، وهذه الطريقة في معالجة المعلومات والبيانات تُسمى المعالجة المدفوعة بالبيانات، أو المعالجة من أسفل إلى أعلى، ولكنها ليست الطريقة الوحيدة، فهناك معالجة أخرى تأتي من أعلى تؤثر فيها تصوراتنا وأحكامنا وخبراتنا في الطريقة التي نرى العالم بها، ويبدو أنه طريق يسير في اتجاهين، إذ تشكل الحواسُ التصوراتِ وتؤثر التصورات في رؤية العالم والشعور به.
وإذا انتقلنا بالحديث إلى الذاكرة فسنجد الطريق ذا اتجاهين أيضًا، فما نستقبله من أحداث ومشاعر يُشكل ذكرياتنا، وذكرياتنا السابقة تؤثر في فهمنا للعالم وفي الطريقة التي نتصرف بها. أما إذا انتقلنا إلى الحديث عن أوهام الذاكرة فسنكتشف لها سببًا نابعًا من العلاقة المتبادلة بين الذاكرة والتصورات والبيانات المُستقبَلة، فمتى ضلت تصوراتنا الطريق أو فُسرت البيانات بشكل خطأ، انحرفت الذكريات إلى طريق الأوهام.
الفكرة من كتاب الذاكرة درة تاج الصحة: التذكر والنسيان وعلم الذاكرة الزائفة
يأخذك هذا الكتاب في رحلة استكشافية إلى أعماق ذاكرتك، ستطرق باب بيت الذاكرة وتدخله لترى كيف تتذكر أو تنسى، وتتعرف على ضروريات تحتاج إليها الذاكرة، وتلقي نظرة على ذكريات الطفولة، ولن تنتهي الرحلة حتى تدرك ما تتعرض له الذاكرة من مؤثرات قد تذهب بها بعيدًا إلى ركن الأوهام، فاربط الأحزمة واستعد جيدًا لانطلاق الرحلة وشاهد الذاكرة كما لم ترها من قبل!
مؤلف كتاب الذاكرة درة تاج الصحة: التذكر والنسيان وعلم الذاكرة الزائفة
جوليا شو : كاتبة وعالمة نفس، حاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس، متخصصة في علوم الذاكرة وعلم النفس الجنائي، وخبيرة في القضايا القانونية.
من مؤلفاتها:
Evil: The Science Behind Humanity’s Dark Side
Bi: The Hidden Culture, History, and Science of Bisexuality