بناء الإنسان
بناء الإنسان
لم يتوقف إيمان الشيخ زايد بالقيم الروحية كمرحلة نظرية فقط، بل سعى إلى تطبيقها عمليًّا فكان من رواد الديمقراطية ورأى فيها تأييدًا كبيرًا لمبدأ الشورى في الإسلام، ولذلك دعا أعضاء المجلس الاتحادي إلى إبداء آرائهم بصراحة في جميع القضايا التي تُعرَض عليهم، لأنهم لا يمثلون أنفسهم بقدر ما يمثلون الأمة كلها، وكان يسمح للمواطنين بمناداته “زايد” خالية من كل الألقاب، فيستمع لهم باهتمام ويحل مشكلاتهم، ومع ذلك نصحهم بالنقد البناء وتقديم النصيحة دون تجريح، واختص بذلك ألسنة الصحفيين إذ عدّهم جنود أمتهم.
وقد وضع الشيخ زايد استثماره الكبير في الإنسان باعتباره أساس أية عملية حضارية، وألح على أن الثروات الطبيعية لن تعطي ثمرتها إلا بتدخل فكر الإنسان وجهده، لذلك صب تركيزه على تحقيق رفاهية المواطن كهدف أسمى، ولم تكن المشكلة في بناء المدن الجديدة والمدارس، بل في إقناع البدو لتغيير عاداتهم والقبول بحياة الحضر، لكنه تحلى بالصبر وفَضّل أن يقوم الاتحاد على قناعة بدلًا من المصلحة والقوة التي قد تؤدي إلى إراقة الدماء.
ومن أشكال الرفاهية التي سعى إلى تحقيقها هي الاهتمام بتعليم الشباب، وليس شباب الإمارات فقط، بل شباب العالم العربي أجمع، وحثهم على الاستفادة من تجارب أجدادهم وسعى إلى تقديم الخبرة والدراسات التي تساعدهم على النضج وتحمل المسؤولية، وكانت تلك الخبرة تحتاج إلى استدعائها من الخارج، من أصول وتقاليد مختلفة، لذلك أمر بإقامة أحياء للوافدين بعيدًا عن الأحياء الخاصة بأبناء البلد؛ حفاظًا على الروابط بين أبناء البلد وحماية للعائلة العربية من الصدوع المنتشرة في المجتمعات الحديثة. كما اهتم بالمرأة وأنشأ مدارس خاصة للفتيات بعيدة عن المدارس الخاصة بالفتيان، حتى يسهل إقناع الرجل البدوي بإرسال ابنته إلى التعليم دون الخوف عليها، وحث الفتيات على الاقتداء بالصحابيات والتمسك بتعاليم الدين الحنيف والاعتزاز بالتراث.
الفكرة من كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
طالما تمسكت الأمة بآمال القومية العربية وسعت في ذلك مساعي شتى، أصيبت على إثرها بخيبات أمل طاحنة كان آخرها سقوط الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، إلا أن الصحراء أخرجت من رجالها من اعتاد الزوابع والتقلبات فتحدى الواقع، ولم يمر عقد واحد بعد سقوط الوحدة المصرية السورية إلا وقد خطا أول خطوة حقيقية تجاه هدفه عام 1968م، حتى تم له الأمر عام 1971م وأعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن عبقرية الشيخ زايد لم تتوقف عند نجاحه في توحيد القبائل التي لم تَعتَدِ الخضوع لولي أمر، بل تبلورت عبقريته في الحفاظ على ذلك الاتحاد وتقويته دون سلب الحقوق، ومواكبة المستقبل دون التملص من التقاليد، والكثير من المتناقضات التي حققها وانفرد بها بين الحكام التقليديين.
ولعل معركة أكتوبر 1973م هي أول ما يفد إلى الذهن عند الحديث عن ذلك الرجل، إذ تجرأ بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تساند إسرائيل، وقال مقولته الشهيرة “ما دام الدم العربي يسيل في أرض المعركة، فليس النفط العربي أغلى من الدم العربي”.
على كلٍّ، يمكن القول إن كثيرين تمكنوا من صنع التاريخ، لكن الشيخ كان من القلائل الذين ألبسوه صبغة عربية وإسلامية، لذلك استغرق د. نبيل راغب ثلاث سنوات في كتابة هذا الكتاب، درس فيها الجوانب التاريخية والديمقراطية والاقتصادية والإنسانية التي مكنت هذا الرجل من وضع حجر الأساس لدولة ستصبح أهم وجهة اقتصادية للعالم في ما بعد مع تمسكها بهويتها الإسلامية.
مؤلف كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
نبيل راغب: (1940م – 2017م)كاتب وناقد ومترجم مصري، درس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعتي القاهرة ولانكستر بإنجلترا، عمل مستشارًا لوزارة الثقافة في مصر وأستاذًا زائرًا بجامعة إكستير بإنجلترا، له عدة مؤلفات تنوعت بين الرواية والنقد والفكر والفلسفة منها:
أدباء القرن العشرين.
دليل الناقد الأدبي.
دليل الناقد الفني.