بماذا علَّمهم؟
بماذا علَّمهم؟
كان لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) طرقٌ كثيرة في إيصال مبتغاه وتعليم أصحابه (رضوان الله عليهم) جميعًا، مستوحاةً من الأحاديث والآثار التي تضمَّنتها سيرته (صلى الله عليه وسلم)؛ فعلَّمهم بالسيرة الحسنة والخلق العظيم، أي بالفعل قبل القول، وبأثر أعماله، وكانت هذه هي أكثر طرقه (صلى الله عليه وسلم) استخدامًا وأعظمها أثرًا، أمَّا عن تعليمه (صلى الله عليه وسلَّم) بالحوار والمساءلة فكان يسأل عمَّا يعرف حتى يستجلب انتباه عقول صحابته (رضوان الله عليهم)، وعلَّمهم (صلى الله عليه وسلَّم) أيضًا بالمحادثة والموازنة العقلية؛ فعقد النتائج المنطقية والتبريرات الصحيحة، وكان يفعل ذلك لسببين إما ليُقرِّر حقًّا أو يدفع باطلًا، وقد تنوَّعت الوسائل وزاد عن ذلك تعليمه (صلى الله عليه وسلَّم) لأصحابه بالمقايسة والتمثيل، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول أسبابَ وحكمة الله (عز وجل) من الأحكام حتى يتبين لهم المعنى؛ فيُحسنوا الاتبِّاع، وعلَّم (صلى الله عليه وسلم) كذلك بالتشبيه وضرب الأمثال، فإذا استصعب أصحابه فهم أمرٍ ضرب لهم مثالًا تقريبيًا يشاهدونه، فيقرب هذا التشبيه المعنى للأذهان، وكان من طُرقهِ (صلى الله عليه وسلم) في تقريب المعنى أيضًا الرسم على الأرض والتراب.
وكان إذا ابتدأ (صلى الله عليه وسلم) الموعظة قرَّر بعض الأحكام دون انتظار أحدٍ ليسأل عنها، وإذا ت
طلَّب المقام منه تأكيدًا وإيعازًا للأهمية أقسم بالله (عز وجل) تأكيدًا لصدقه وعلوِّ مقام الحديث، وعلَّمهم (صلى الله عليه وسلَّم) بالسكوت، وبالوعظ والتذكير، وبالترغيب والترهيب، وبالممازحة والمداعبة، وبالقصص وأخبار الماضين، وقد استخدم في ذلك الكتابة كإحدى وسائله (صلى الله عليه وسلم) في التبليغ، أمَّا أجلُّ ما علَّم به أصحابه (رضوان الله عليهم) تعليمهم بذاتيَّته الشريفة (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلَّم) متصفًا بأوصاف الكمال في ذاته كرسولٍ معلِّم، فكملت صورة القدوة وكانت أفعاله (صلى الله عليه وسلم) أسلوبًا منفردًا في التعليم.
الفكرة من كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
هذا الكتاب إسهاب لمحاضرةٍ أُلقيت في كلية الشريعة وكلية اللغة العربية بالرياض بالمملكة العربية السعوديَّة، ونتج عنها كتاب باسم “الرسول المعلم وأساليبه في التعليم”، وهو وصف وتفنيد للفكرة المعنيَّة، أي كيف كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) معلمًا في قوله وفعله، وحتى في صمتهِ، على هيئة أحاديث وآثار من حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منتقاة من الكتب الستة، واحتوى في طيَّاته الكثير من الأفكار التي تصلح أن تكون منارةً لكل مُعلِّم في إبانةٍ وتفصيل.
أما عن سبب التأليف فهو لصلة هذا الموضوع بالعلم والعلماء والتعلم والمتعلمين، وقد خرج هذا الكتاب إلى النور متأخرًا بسبب انتظار الكمال وتمام العِلم، وهذا مما لا يكون.
مؤلف كتاب الرسول المعلم وأساليبه في التعليم
عبد الفتَّاح بن محمَّد بن بشير أبو غدَّة: سوري من مواليد حلب عام 1917م، درس في كلية الشريعة جامعة الأزهر بمصر، كما درس تخصُّص أصول التدريس في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعمل مدرسًا في جامعة الإمام محمَّد بن سعود في السعوديَّة، وله أكثر من سبعين مؤلفًا أكثرها يدور في فلك أصول الحديث منها: “من أدب الإسلام”، و”صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل”، وتوفي عام 1997م عن عمر يناهز الثمانين.