بلاد الأفيال والتوابل والكادحين.. عودة الروح
بلاد الأفيال والتوابل والكادحين.. عودة الروح
ربما يكون أطفال الهند هم الأقل اعتدادًا وفتنة بمشاهير الرياضة العالميين وبالرياضة بشكل عام، ففي كل الأوقات التي يهتم فيها أطفال العالم بمتابعة الألعاب وتتبع أخبار المشاهير، يكون الأطفال الهنود إما فريسة لأحد الاختبارات وإما في طور الإعداد لاختبار آخر، لكن حتى الشباب والعجائز في الهند لا يبدون اهتمامًا كبيرًا بتلك الرياضات التي تلعب فيه العضلات الدور الأساسي، ففي الوقت الذي تغيب فيه الهند عن الألعاب الأوليمبية والمنافسات الرياضية، نراها تتقدم الصفوف في الألعاب الذهنية كالشطرنج والمسابقات العلمية، فلماذا تندر الميداليات الأوليمبية في أمة تخطت المليار؟
تلك البلاد التي يعيش ثلث شعبها تحت خط الفقر، لا تملك خيارات كثيرة، لكن ضوءًا فاتنًا يتقاتل عليه الملايين كل عام، إذ تمثل فرصة الالتحاق بجامعة من الصف الأول في الهند حلمَ كل منزل ومطلب كل عائلة من أبنائها، وتتربع معاهد تكنولوجيا المعلومات كماسة ثمينة لا ينالها سوى أقل من اثنين بالمئة من المرشحين، قد يبدو لنا أن هؤلاء المقبولين يتسمون بعبقرية ميزتهم عن أقرانهم، لكن هذا يعني أنهم فقط كدحوا ساعات طويلة بُغية التحضير لتلك الاختبارات، لقد صاروا آلات أكثر ذكاءً فقط، وأصبحت قدرتهم على الإبداع والاهتمام بالعلم الحقيقي محل شك.
ولكن لم يكن العالم بحاجة إلى مبدعين بقدر حاجته إلى مهندسين كادحين يرضون بالأجور الزهيدة، ولذلك بدأت سلاسل المهندسين في التدفق إلى الخارج، وها هم يبكون كثيرًا في إثر العقول التي تغادر الهند متجهة إلى بلدان العالم الأول، ولكن في ما بعد سيعود هؤلاء الكادحون مرة أخرى حاملين إلى بلادهم شعلة من بلاد الغرب، لقد قلبوا الـوضع التقني في الهند تمامًا، وأقاموا بشركاتهم الجديدة سوقًا تعتني بزبائنها كالمعتاد، لكنها تعتني بموظفيها كذلك.
الفكرة من كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟
ظلت الهند ترزح طويلًا تحت ظلمات الجهل حتى انتهبتها يد الاستعمار، لكن العجيب أن أولئك الأسيويين يبرزون الآن في وادي السيليكون وفي شركات الغرب العملاقة، لا يكتفون بالمهام الروتينية ولا يهتمون كثيرًا بتلك المناصب التي يسعى إليها الجميع في أعلى الهرم، لقد خرج بعضهم من البلاد سعيًا إلى عيش أفضل، لكن الكثيرين لم تزل في أذهانهم تلك الصورة من بلاد تطلب منهم يد العون، يبدو أن عصر هجرة العقول على وشك النهاية، وها هي خيالات جديدة تبزغ في الأراضي الهندية، عيون تتطلع إلى القوى العظمى في العالم وتطمح إلى ريادة الواقع بعد أن ملكوا الخيال لقرون.
مؤلف كتاب أمة من العباقرة: كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم؟
أنجيلا سايني: صحفية ومذيعة وكاتبة بريطانية، وُلدت بلندن عام 1980، درست أنجيلا الهندسة الميكانيكية بجامعة أكسفورد، حيث حصلت على درجة الماجستير، كما عملت كاتبة متخصصة في العلوم والتقنية، ونشرت العديد من أعمالها في مجلات بي بي سي، والجارديان وإيكونوميست، من أعمالها:
Inferior: How Science Got Women Wrong—and the New Research That’s Rewriting the Story
The Patriarchs: The Origins of Inequality
Superior: The Return of Race Science
معلومات عن المترجم:
طارق راشد عليان: كاتب ومحرر ومترجم مصري، عمل مع العديد من المؤسسات الثقافية العربية، مثل المركز القومي للترجمة، ومشروع “كلمة” أبو ظبي، من أعماله:
إمبراطور الأمراض، لسيدهارتا موخيرجي.
فن الحرب القديم، لهاري سايدبوتون.
فلسفة الرياضة، لستيفن كونور.