بعيدا عن الأشياء.. حجرة الشاي
بعيدا عن الأشياء.. حجرة الشاي
في رأي معماريي عصر الحداثة الأوروبيين، رواد المباني الزجاجية وناطحات السحاب، ربما تعتبر العمارة اليابانية مثيرة للشفقة، فكيف يقيمون في تلك الأكواخ القشية البسيطة؟ أكثر ما تتميز به حجرات الشاي الفراغ، الخلو من كل العناصر ما عدا الضرورية لتكوين الغرفة، ولذلك لا تحتوي أي إبهار جمالي، ربما تعتبر حجرات الشاي بسيطة من حيث المظهر، لكن مبادئها وهندسة تصميمها بالتأكيد ليست كذلك، وتحظى فلسفة بنائها بعناية أكبر من قصور الأباطرة، تختلف تلك الحجرات أيضًا عن مجمل العمارة اليابانية الكلاسيكية، تلك الهياكل الخشبية الضخمة، التي تمتلئ بالتفاصيل وتفرض الهيبة على مريديها.
لا نستطيع تجاهل التشابه بين حجرات الشاي ومعابد الزن، تلك البساطة الطاغية على كل التفاصيل، فقد كان كبار معلمي الشاي من تلاميذ الزن، وقد حرصوا على أن تعكس حجرات الشاي ذلك، تفرض حجرة الشاي مبادئها على جميع الرواد منذ البداية، جميعهم يعبرون المدخل ذا السقف المنخفض، بعدما تركوا أسلحتهم ومتاعهم خارجها، ولن تأتيهم ضيافة الشاي حتى يصطبغوا بالهدوء والبساطة المحيطة بهم، صوت واحد يملأ الجو، لحن فقاقيع الشاي يكمل عناصر الغرفة.
كل ما في غرف الشاي يدل على التقشف والخفة، السقف القشي والدعائم الخفيفة، لا يوجد أي نوع من التكرار في الألوان أو المواد أو حتى الأشكال، هذا ليس سببه الزهد والتاو فقط، لكن لأن حجرة الشاي صممت من البداية على أنها بناء مؤقت، ففي الحقيقة ترتبط الغرفة بالمعلم أكثر من كيان البنيان نفسه، لا قيمة لغرفة الشاي من دون معلمها الخبير الذي تنتقل معه، لا يسعنا هنا سوى تخيل أحد معلمي الشاي في منزل على طراز أوروبي، ربما سيظن نفسه في متاهة من المرايا، خالية من الأصالة وبليدة للغاية.
الفكرة من كتاب كتاب الشاي
لقد أصبح الشاي مشروبًا عالميًّا منذ عبوره الى أوروبا في القرن السابع عشر بوصفه شرابًا لعلية القوم، وبالنسبة إلى إنسان من عصرنا، يعد الشاي مشروبًا استهلاكيًّا مثله مثل الكولا، سواء في تجهيزه بغلي أكياسه البلاستيكية، أو بالصورة النمطية التي دأبت الميديا على تقديمه فيها، كمشارك في الجو المثالي الذي تجتمع فيه العائلة ويعبق الجو بالدفء، كل هذه الصور ربما تتعلق بالثقافة الغربية للشاي، دون الإشارة إلى قيمه الشرقية.
في هذا الكتاب لم يهتم المؤلف بالشاي من الناحية التقنية، كما اعتاد العصر الحديث أن يركز عليه، لكن يحاول إعادة تقديم فلسفة حضارته التي شوهتها النماذج، عبر إعادة إحياء واستعادة هذا العامل الذي خُفف للغاية حين أصبح مشتركًا.
مؤلف كتاب كتاب الشاي
أوكاكورا كاكوزو: ولد في يوكوهاما عام 1862 م، في عائلة من الساموراي، درس في جامعة طوكيو، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عمل قيمًا على القسم الياباني في متحف بوسطن للفنون الجميلة، وتوفي عام 1913 م.
معلومات عن المترجم:
سامر أبو هواش: كاتب وشاعر ومترجم فلسطيني، ولد في صيدا بجنوب لبنان عام 1972 م لعائلة فلسطينية، درس الصحافة في كلية الإعلام بجامعة لبنان، وعمل في العديد من المجلات الثقافية اللبنانية، ترجم العديد من الأعمال الهامة ومنها:
اختراع العزلة، بول أوستر.
الحب كلب من الجحيم، تشارلز بوكوفسكي.
33 استراتيجية للحرب، روبرت غرين.
أكثر من طريقة لائقة للغرق، سيلفيا بلاث.