بعد الوزارة
بعد الوزارة
قدَّم البهي استقالته من منصب مدير الجامعة في اليوم التالي لإعلان الوزارة، وطلبت الرئاسة من البهي ألا يعلن عن استقالته، وعرضت عليه بعدها أن يكون مديرًا لجامعة الإسكندرية، فرفض لأنها وظيفة ينتظرها العديد من الأساتذة الآخرين، فعُرض عليه أن يكون سفيرًا في كندا، فرفض لأنه شيخ من شيوخ الأزهر، ولا يقبل أن يجامل السفراء مع زوجته في الحفلات، ولا أن يوقع لموظفي السفارة على إعفاءات الجمارك، بينما يكون من المشتريات خمور وسجائر.
عُرض عليه بعدها من مسؤولين أن يشغل منصب أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، فوافق وعاد للتدريس، حتى أُحيل إلى المعاش في أغسطس عام 1965، وأعلمه مجلس الوزراء بمدِّ عمر وظيفته خمسة أعوام إضافية، ولكنه اعتذر وآثر التفرغ للكتابة.
وفي عام 1966 تعاقد مع الدار القومية لنشر كتابه “الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي”، الذي وضع معالمه وهو في كندا عام 1956، عندما سافر إليها بصفته أستاذًا زائرًا، حيث درس الحركة الإسلامية في معهد الدراسات الإسلامية الملحق بكلية اللاهوت فيها، وبلغ به الحزن مبلغه على ما رأى من ممارسات المستشرقين ضد الإسلام في هذا المعهد، الذي لم يكن سوى مسرحٍ يشوه صورة الإسلام، الأمر الذي دفعه إلى كتابة كتابه هذا لبيان حيل الاستعمار وتستره وراء العلم لمحاربة الإسلام، أنهى تلك الرسالة وتم إرسال نسخ منها إلى أقسام الدراسات المماثلة في الجامعات الأمريكية.
ولما وصل الكتاب إلى القاهرة تم إعفاء مدير المعهد من منصبه، وعرضت السفارة الأمريكية في القاهرة على الدكتور البهي أن تتولى ترجمته للإنجليزية شرط إلغاء الفصول الخاصة بالمستشرقين فلم يقبل، وفي عام 1966 لما طبع الكتاب تم تجميد نشره، وتم إبلاغ البهي رسالة مفادها موافقتهم على نشره وزيادة المبلغ المتفق عليه في العقد شرط أن يحذف الفصول الخاصة بالشيوعية فرفض كذلك، فتم رفع تقارير ضد الكتاب وظل تحت الرقابة ولم يُنشر.
الفكرة من كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
يأخذنا هذا الكتاب في حياة عالم ومفكر ووزير، بدءًا من كُتَّاب قريته في مصر، إلى ألمانيا ثم العودة والتدريس، ثم توليه إدارة جامعة الأزهر ثم الوزارة وانتهاءً بالعزلة، عاصر الملكية، والحرب العالمية الثانية، وثورة 52 والتغيرات الكبيرة التي حدثت في مصر بعدها، حياة رجل عُرف بشدَّته لأنه لم يكن يحابي أحدًا، وتعرض للعزلة بسبب مواقفه من الشيوعية، وهُدِّد فلم يزده ذلك إلا ثباتًا وقوة في الحق.
مؤلف كتاب حياتي في رحاب الأزهر.. طالب وأستاذ ووزير
د. محمد البَهي: أستاذ جامعي ومفكر ومؤلف مصري، ووزير سابق، ولد عام 1905، تخرج في قسم البلاغة والأدب في الأزهر، حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم النفس في ألمانيا، درَّس الفلسفة وعلم النفس في عدد من الجامعات المصرية، وكان أستاذًا زائرًا في عدد من الدول العربية والأجنبية، عُيِّن مديرًا لجامعة الأزهر، ثم وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر، وتوفي في العاشر من سبتمبر عام 1982.
له العديد من الكتب في الفلسفة الإسلامية، والعقيدة، والسلوك، والمجتمع والفكر الإسلامي، وتفسير القرآن الكريم، وقد قاربت مؤلفاته السبعين كتابًا ورسالة، من أبرزها:
الدين والدولة من توجيه القرآن الكريم.
الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.
الإسلام في حل مشاكل المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
طبقية المجتمع الأوروبي، وانعكاس آثارها على المجتمع الإسلامي المعاصر.