بشرية متكاملة
بشرية متكاملة
هل تجد الطفولة مكانها في زحام مهام النبوة؟ إن لم تجد الطفولة مكانها فما الذي سيجد مكانه إذًا؟ فهذا النبي الرحيم تأخذ بيده الجارية الصغيرة في طرقات المدينة هنا وهناك حتى تقضي حاجتها منه (صلى الله عليه وسلم) وهو منصاع منقاد لها، وها هو يطيل في سجوده فيظن المسلمون بذلك الظنون، ثم هو يخبرهم أن حفيده امتطى ظهره كما يفعل أبناؤنا اليوم، فكره (صلى الله عليه وسلم) أن ينزله قبل أن ينتهي من لعبه.
عظمة النبي في كونه بشرًا لا ملاكًا، بشرًا يتزوَّج ويصاهر وينجب ويربي ويموت ولده وتُطلق بناته وتموت زوجه ويصبح جدًّا ويتخذ صديقًا ويتودَّد لأصحابه ويمازحهم ويرحم الصغير والضعيف وذا الحاجة، ويحنو على الجماد والطير ويرأف به، ففي أحد الأيام افتقد (صلى الله عليه وسلم) طفلًا من الأطفال يقال له أبو عمير: “هل لاحظت كلمة افتقد”، فقيل له إن له عصفورًا صغيرًا قد مات، فذهب (صلى الله عليه وسلم) إليه ملاطفًا معزيًا قائلًا: “يا عمير ما فعل النُّغير؟”، عصفور صغير لطفل صغير يجد مكانه بين مهام النبوة والرئاسة!
يكثر الطفل اللعب واللهو والانشغال بهما خاصةً في سنين الطفولة الأولى، فهذا أنس بن مالك خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أرسله المصطفى مرة ليقضي له حاجة فمرَّ أنس بالأطفال يلعبون فاشتغل بهم، وعندما مر عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ووجده لم يقضِ حاجته قال له: “يا أُنيس!” نعم دلَّله وهو متأخِّر عن حاجة أرسله فيها رسول الله، والواحد منا إن تأخَّر ولده أو أخوه عن أداء أمر قامت قيامته ولم تقعد!
إن الرجل الباسل والقائد المغوار ومن وقف في وجه قريش معلنًا العداء، هو نفسه من كان يخرج لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي حمرة لسانه فيهشُّ إليه!
الحمد لله الذي أنعم علينا بمن حفظ لنا سكناته وحركاته وأقواله وأفعاله.
الفكرة من كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
“هذه الحياة السوداء لا تليق بمحمد مهما حاول أن يمسح شيئًا من السواد عن لوحتها الكبيرة، إن الأصباغ القاتمة تراكمت بطيش حتى بات من العسير إضافة لون أبيض أو معنى جميل، لذلك فقد حُبِّب لهذا الشاب أن يترك الجاهلية وراء ظهره ويذهب كلما سنحت له الفرصة إلى تلك الجبال البعيدة التي يسمعها تهمس بأشياء تدركها روحه ولا يتحقَّقها عقله كأنما تريد أن تقول له شيئًا مهمًّا للغاية، وكأنها تريد أن تُفصح له عن ماهيته التي ما زال حتى اللحظة لا يدركها”.
جوانب متفرقة متنوعة متكاملة من حياة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يجمعها الكاتب ويصوغها بأسلوب يرقِّق القلب ويدمع العين حتى إنك تود أنه في نهاية الكتاب لم ينتهِ من تعطيرك بسيرة الحبيب ولو أنه أطال قليلًا.
ستخرج بعد هذا الكتاب وهذه المواقف المتنوعة متعطشًا للتعلم والتعرف على سيرة أعظم البشر (صلى الله عليه وسلم).
مؤلف كتاب الرجل النبيل.. محمد رسول الله
علي بن يحيى بن جابر الفيفي: كاتب ومحاضر في قسم الشريعة واللغة العربية في كلية البرامج المشتركة بالمحالة بالسعودية، حاصل على بكالوريوس في تخصص الدعوة، هذا إلى جانب حصوله على درجة الماجستير في تخصص الدعوة والاحتساب، وله العديد من الأبحاث العلمية المتميزة.
ومن أبرز مؤلفاته:
لأنك الله.
سوار أمي.
يوسفيات.