بسيط ومتواضع
بسيط ومتواضع
تهفو قلوبنا إلى البساطة والتلقائية، إلى من يتواضع ويتسامح ويتعاون، وتعافُ النفوس الملوثة بالغرور والضغائن والأحقاد،
والبساطة والتواضعصفتان تميِّزان الناجحين والمؤثِّرين في مجتمعاتهم على مرِّ الزمان، وفي واقعنا المعاصر، وفي التاريخ الحديث أمثلةٌ لمشاهير لم تسلبهم شهرتهم بساطتهم وتواضعهم، فتجد الأديب توفيق الحكيم مثلًا يُحكى أنه في قمة مجده في ستينيات القرن الماضي يجيب على سؤال الصحفي فؤاد دوارة: “متى اهتديت إلى أسلوبك في الكتابة؟”، بإجابة تعلمنا درسًا في التواضع قائلًا: “وهل أنا اهتديت إلى أسلوبي في الكتابة بعد؟! إني عملة ضائعة في كومة قش، أبحث عن نفسي باستمرار، وكلما أبصرت شيئًا لامعًا وسط القش، ظننته العملة، ومددت يدي لالتقاطها، فرَّت من أمامي واختفت مرة أخرى وسط الظلام”، وتجد نجيب محفوظ حين سُئل عن كتابة سيرته الذاتية عقب فوزه بجائزة نوبل بأن حياته البسيطة كشخصه ليست مليئة بالأحداث الكبيرة والمواقف الصعبة ليكتب عنها، وتجد العرَّاب الدكتور أحمد خالد توفيق شخصًا بسيطًا ومتواضعًا، لم يكن يحب الضجيج ويُخجله أبسط المدح، وكان متصالحًا مع نفسه –كما يقول المؤلف- لا يعطي قدراته أكبر من حجمها ولا يقلِّل منها، وكانت كتاباته ومواقفه بلا تكلُّف فتصل من القلب إلى القلب.
وإذا أردنا ضرب مثالٍ بعيد عن الأدب والأدباء فالأم تريزا حين فازت بجائزة نوبل ذهبت لاستلامها مرتديةً الساري الهندي البسيط وحقيبة صنعتها بنفسها، ولعلَّك لاحظت بساطة ثياب مارك زوكربيرج مؤسِّس فيسبوك وستيف جوبز مؤسس آبل رغم ثرائهما وحجم أعمالهما.
أولئك المتواضعون لا يقارنون أنفسهم بالآخرين، ولكنهم يقارنون أنفسهم بالفكرة التي يرسمونها عن الكمال، ويعرفون أنهم بعيدون عنها، فيقرُّون بضعفهم وعجزهم ويتعاملون مع الناس دون غرور أو تكبر.
التواضع الذي يجب أن نسعى إليه يعني أن نقبل الحق وننقاد له أيًّا كان قائله، وأن نخفض جناحنا للناس، وهو مرتبط بمقدار ما في أنفسنا من الصدق والعدل والشجاعة، فصدق المرء مع نفسه في اعترافه بعيوبه ونقائصه، وعدله في إعطاء كل ذي حقٍّ حقه محاولًا طمس أنانيته، وهذا يقتضي شجاعةً كبيرة في مواجهة النفس والآخرين، ولكن علينا أن ننتبه للتوازن فيما نفعل، لئلا يكون وضاعة وذلًّا وخضوعًا في غير موضعه، أو يكون نابعًا من قلة تقديرٍ للنفس.
الفكرة من كتاب نادي القلق
ما قصة ذلك النادي الذي يضمُّ أغلب البشر تقريبًا، وكيف يمكننا الهروب منه؟ كيف يحدِّد المرء أهدافه؟ هل هناك وصفة سحرية للسعادة؟ كيف هي علاقة الشهرة والتواضع؟ في رحلتنا مع هذا الكتاب نمر بمحطاتٍ متنوِّعة نجد فيها إجاباتٍ عن هذه الأسئلة ونستكشف المزيد.
مؤلف كتاب نادي القلق
الدكتور جلال الشايب: كاتب مصري ومدرس بكلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، ولد عام 1970 في القاهرة، وتخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1993، وحصل على درجة الدكتوراه عام 2008.
من مؤلفاته: “تاريخ العمارة الداخلية الحديثة”، و”دفتر الغضب: يوميات شخص عادي شارك في الثورة”، و”مقالات ومقولات”، ورواية عنوانها “عناق على كوبري قصر النيل”.