بسيط جدًّا
هناك بعض القضايا التي تكون معقدة في الفهم في أثناء النقاش أو الطرح العام، فنضطر إلى تبسيطها تبسيطًا تفقد فيه القضية جوهرها وأساسها، وهذا التبسيط يشيع ذكره في الآفاق بين الناس فيكون اختزالًا مخلًّا للقضية الأصلية، فيركن الناس إليه ولا يُعملون معه تفكيرهم استسهالًا لما ذاع بينهم.
وقد يكون الأمر معقدًا فعلًا يصعب فهمه إلا أن تبسيطه تبسيطًا مفرطًا يوقعنا في أخطاء أخرى من ناحية التفكير أشد خطرًا وضررًا من عدم فهمنا للقضية نفسها، ومثل ذلك تلخيص نظرية اينشتاين في قولهم “كل شيء نسبي” أو قولهم في نظرية فرويد “الجنس كل شيء” مختصرين بذلك نظريات كبيرة جدًّا ومعقدة، ومثل هذا التبسيط قد يستعمله البعض حين يناقشون قضية أو نظرية لشخص آخر بغرض إظهار الآخر على أنه معقد في تفكيره يتعالى على الناس بآرائه ومصطلحاته، وبهذا يكسب الأول تعاطف الجمهور وتأييدهم، لأنه يتحدث بلغة سهلة يسيرة الفهم قريبة منهم لا تطلب قدرًا ولو بسيطًا من التفكير.
يمكن تسمية تلك الجمل أو العبارات المبسطة أيضًا باسم الشعار كما يقول الكاتب، والشعار على بساطته يحمل رسالة يمكننا بها توجيه الناس نحو الوجهة التي نريد، والمثال على ذلك شعار روسو في الثورة الفرنسية “الحرية، الإخاء، المساواة”، فعلى الرغم من مبادئه المعقدة فإنها لم تكن لتؤثر وتقود جماهير عريضة بمثل مافعل هذا الشعار، نحن نتفق على أن الشعار مخل جدًّا وبسيط للغاية، إلا أننا لو فككنا كل كلمة منه وبينّا معناها و المقصد من ورائها لفقد الشعار تأثيره والغاية المرجوة منه قطعًا، ولن يكون حاضرًا في أذهان الناس حتى.
نعم للعقل البشري حدود وعلينا أن نحترمها وألا نتعداها بالرغبة في فهم وإدراك قضايا معقدة يصعب علينا فهمها، ولعل هذا من الأسباب التي يفضلّ بها الناس تبسيط تلك القضايا على فهمها وتحليلها ونقضها، لكن هناك شعرة بين إدراك حد العقل وبين الكسل العقلي، فبعضنا حتى قبل أن يبلغ مداه وحده في التفكير يتكاسل عن التفكير وعن إعمال عقله وعن السؤال رغبة في الفهم، لأنه قطعًا سيُضطر إلى الخروج من منطقة الأمان والراحة الفكرية إلى منطقة شاقة تطلب جهدًا فكريًّا وإعمالًا لملكات العقل التي وُجدت لتعمل أصلًا في ما يمكنها أن تعمل فيه.
الفكرة من كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
ينشأ الخطأ في التفكير ابتداء من الخطأ في فهم الآخر وفهم الطرق والأساليب التي يستعملها في إيصال أفكاره، وفي هذا الكتاب يناقش الكاتب تلك الطرق والأساليب التي تقودنا نحو تفكير مستقيم أو تفكير خاطئ أعوج مستندًا في ذلك إلى عديد من الأمثلة، خصوصًا السياسية منها.
مؤلف كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
الدكتور روبرت هنري ثاولس، أستاذ في جامعة كمبريدج، عمل محاضرًا لعلم النفس في جامعتي مانشستر وجلاسجو، وله مؤلفات في علم النفس منها:
سيطرة العقل
علم النفس العام والاجتماعي
معلومات عن المترجم:
حسن سعيد الكرمي، خريج الكلية الإنجليزية في القدس، والتحق بإدارة المعارف في فلسطين معلمًا للإنجليزية، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عمل مراقبًا بالإذاعة البريطانية في لندن، وألف كتبًا باللغة الإنجليزية عن فلسطين.