بساطة جذرية
بساطة جذرية
دائمًا ما كان دأب مشكلات أمة ما والتحديات التي تواجهها، أن تبدو لأول وهلة غاية في التعقيد، فيتجاهلها أفرادها معتقدين عدم إلمامهم بجوانبها، ولا يزيدها الزمن إلا إبهامًا، وأكثر تلك المشكلات تعقيدًا ما كان حلها يقوم على البداهة، وكذلك الكوارث والحروب التي حلت بالعالم، هل يستطيع أحد أن يصنف أسبابها خارج الغرور والطمع، وأيضًا هذا الاستبداد والفساد الذي يخسف بأمتنا، لم يحط بنا إلا لإبعاد تلك الوصايا البديهية وتحييد تعاليم الدين المباشرة، لفتح الأفق للحكم المطلق الذي لا يكبحه دين أو عرف.
وأوضح خصائص هذا الحاكم الكبر، ليس الغرور أو الترفع المعتاد، وإنما التسامي عن طبقة البشر والاقتداء بأصحابه من الملوك أنصاف الآلهة، وتزداد المصيبة عندما تبالغ الدول في تعقيد المراسم والتقاليد المحيطة بها، فتبدو لمواطنيها ككائن ضخم متعال عنهم، لا تجوز لهم رؤية ما بداخله وليس بوسعهم مجابهته، ولأن قدرات البشر محدودة، فلن تجد حول هذا الحاكم المطلق إلا الأنصاف والأرباع، لأنه لا يرتضي قربه بواحد سواه، فيكون تضخمه ذاك على حساب حاشيته، وفي أجواء تلك الوثنية السياسية لا يُتاح إلا للمنافقين العبيد التنفس والنطق، وهم حين ينطقون لا ينطقون إلا بمشيئة الحاكم ولا يقولون إلا ما يرضيه، وبذلك ينتفي لدى هؤلاء مفهوم الخير والشر، فكل ما يقترفه الحاكم خير وكل ما يرفضه لا شك شر، ولا تقتصر صفة الاستبداد في الحكم المطلق على الرأي فقط، ولكنه استبداد في مال الأمة وثرواتها، فمن هؤلاء الملوك من رأى تلك المقدرات منفعة له وإرثًا لأحفاده.
شهد تاريخ الإسلام نفرًا من هؤلاء الحكام، ظنوا أن العصور الجديدة لا تسمح بتلك الأحوال الشديدة التي ألزمها النبي ﷺ والمسلمون الأولون أنفسهم، فما كان منهم إلا أن قلبوا هذا الحال إلى ضده الباذخ المترف، فتأسست سنة الملكية في تاريخ الأمة منذ ذلك العهد، تلك التي لا يرى فيها الخليفة نفسه وقومه إلا أصحابًا للأملاك وورثة للأجداد، وكان هذا بالتحديد ما أتى الإسلام لينقضه لا ليورثه، بأن يُشرك الناس في أمور حياتهم، ويُولي عليهم أكفأهم، فتُمحى تلك الطبقة الكاذبة ويتكاشف أفراد الأمة، فيتحروا الحق ويستبينوا الباطل.
الفكرة من كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
ليست ظاهرة الاستبداد بالحدث الطارئ في التاريخ الإسلامي، فقد اختبر المسلمون الحكام المستبدين أكثر من أي نوع آخر، وأحدث هؤلاء الحكام العديد من الأفعال التي صارت بعدهم قوانين تطغى على الدين وتهمل وصايا النبي ﷺ، وقد زاد الاستعمار الحديث الأمر وبالًا، فاختلط الأمر على القوم، وظنوا أن منبع هذا الاستبداد من الدين نفسه، لادعاء هؤلاء الحكام خلافته في الأرض.
هنا يحاول الشيخ أن يرد الأمر إلى حقيقته، ويبين موقف الدين تجاه هذه النماذج، وكيف تعامل معها المسلمون طوال تاريخهم.
مؤلف كتاب الإسلام والاستبداد السياسي
محمد الغزالي: داعية ومفكر إسلامي، وأحد أشهر الدعاة في العصر الحديث، ولد في إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عام 1917 م، ختم القرآن بكتاب قريته في العاشرة من عمره، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وحصل على درجة العالمية وهو في السادسة والعشرين، درس في العديد من الجامعات الإسلامية، كجامعة الأمير عبد القادر في الجزائر، وجامعة أم القرى في مكة، توفي عام 1996 م في المملكة العربية السعودية، له العديد من المؤلفات الهامة؛ منها:
الإسلام والمناهج الاشتراكية.
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث.
فقه السيرة.