بزوغ شمس التخدير
بزوغ شمس التخدير
يُعد الألم إحدى وسائل الحفاظ على الحياة كردَّة فعل للحماية من الأعراض الخطيرة، ولكن ليس كل ألم مفيدًا، بل هناك متلازمات للألم تصبح مرضية ومؤرِّقة وتحتاج إلى علاج في حد ذاتها، واستخدمت بعض الحضارات الداتورة والقنب والخشخاش والكوكا ضد الألم، واستخدم السومريون الخشخاش والأفيون، وكذلك البابليون استخدموا نبات البنج لنفس الغرض، واستخدم الآشوريون والمصريون تقنية الضغط على الشريان السباتي لمنع تدفق الدم إلى المخ، كما استخدم المصريون مسحوق الرخام المخلوط مع الخلِّ كبنج موضعي.
ويُعدُّ أفلاطون أول من استحدث مصطلح anesthesia ويعني التخدير، ويُقصَد به عدم الإدراك أو التلقي الحسي، واستخدم الأطباء الرومان المصاحبون للجيوش نبات اللفَّاح المغلي في الخمر لتغييب عقول الجنود الذين يحتاجون إلى الجراحات إلا أنها لم تكن كافية لإذهاب الألم بشكلٍ كافٍ، واستخدم البعض التبريد الشديد حيث كان يوضع العضو المصاب في الثلج المجروش حتى تخدِّره البرودة، ويُعد الأطباء المسلمون أول من ابتكر الإسفنجة المخدِّرة وذلك بغمسها في محلول مادة مخدرة وتترك لتجف وعند استعمالها تبلل قليلًا ليستنشق من خلالها المريض فيتسرَّب المخدر إليه وينام.
وترجع نشأة التخدير بشكله الحديث إلى العالم الإنجليزي جوزيف بريستلي واكتشافه لغاز أكسيد النيتروز عام 1772، وكان يستخدم غازًا للضحك للترفيه عن سادة المجتمع وأثريائه، ويُعدُّ طبيب الأسنان هوراس ويلز أول من استخدم أكسيد النيتروز مخدرًا عامًّا، ويُعدُّ يوم السادس عشر من أكتوبر عام 1846 اليوم العالمي للتخدير، حيث استخدم وليام مورتون الأثير لأول مرة بوصفه مخدرًا، وكذلك استخدم الطبيب الاسكتلندي جيمس سيمبسون الكلوروفورم مخدرًا لأول مرة للحد من آلام الوضع، وسرعان ما طوَّر العلماء العديد من المركبات كالأيزوفلورين والديسفلورين، واستخدم الدكتور كارل كولر الكوكايين مخدرًا موضعيًّا لعمليات العيون.
وفي عام 1905 عرف العالم البروكين بوصفه مخدرًا موضعيًّا، وتوالت بعدها الاكتشافات التي أثبتت فاعليتها، وطوال هذا الأعوام لم يُعتد بالتخدير علمًا مستقلًا، بل كان يمارسه الجراحون وأطباء الأسنان دون مؤهلات خاصة به، وأول من صاغ مصطلح علم التخدير هو الطبيب ماتياس سيفيرت في بدايات القرن العشرين، وبالتحديد عام 1902م، ولم يكن هناك منهجية لاختبار عمق التخدير حتى ثلاثينيات القرن الماضي إلى أن استحدث جويدل عام 1936 طريقة لتحديد عمق التخدير، ولم تعُد تُستخدم تلك الطريقة الآن حيث تنوَّعت العقاقير والأجهزة التكنولوجية لقياس الوظائف الحيوية ومعايرة جرعات المخدر المستخدمة.
الفكرة من كتاب الإكسير.. سحر البنج الذي نمزج
ما الذي يحدث للجسم تحت تأثير المخدر، ومتى ظهر التخدير بوصفه علمًا مستقلًّا، وما طبيعة عمل طبيب التخدير وما يواجهه من تحديات، وهل حقًّا جرعة البنج الزائدة هي السبب في كثير من مضاعفات الجراحات المختلفة كما هو سائد في الأوساط المختلفة؟! وما مستقبل التخدير كعلم وممارسات. يتناول هذا الكتاب علم التخدير وآثاره وطبيعته ومستقبله في محاولة لأنسنة غرفة العمليات، وهذا ما نلقي الضوء عليه هنا.
مؤلف كتاب الإكسير.. سحر البنج الذي نمزج
أحمد سمير سعد: مدرس بقسم التخدير بكلية طب قصر العيني، قاص وروائي ومهتم بتبسيط العلوم، حصل على المركز الثالث في المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة فرع القصة القصيرة عام ٢٠٠٩، والمركز الثاني في مسابقة لجنة الشباب لاتحاد الكُتاب فرع القصة القصيرة عام ٢٠١٤، وجائزة الشارقة للإبداع عن مجموعته القصصية “ممالك ملوَّنة”.
له عددٌ من الأعمال الأدبية، منها: رواية “سِفر الأراجوز”، و”تسبيحة دستورية” (نص أدبي)، وله مجموعات قصصية للأطفال مثل: “الضئيل صاحب غيَّة الحمام”، و”طرح الخيال”، ومن أعماله أيضًا كتاب “لعب مع الكون”، وهو كتاب في العلوم وفلسفتها نُشر عام ٢٠١٧، بالإضافة إلى عدد من المقالات العلمية والأدبية والقصص المنشورة في عدد من الدوريات والمواقع الإلكترونية.