بر الوالدين بذرة
بر الوالدين بذرة
البر ليس درسًا يُلقى على الأبناء ليحفظوه، بل هو منهج في الحياة ينشأون عليه ليمارسوه ويعيشوه، فيجب أن يُدرب الأبناء على تقدير جهود أمهاتهم وآبائهم، وتعليمهم أن يشاركوا في العمل ويتحمَّلوا المسؤولية ويخدموا أنفسهم، وقد كان الشيخ الطنطاوي مثالًا رائعًا في حب بناته وتفقُّدهن، وإذا تأخَّرت إحداهن في النوم كان يمنعها من الذهاب إلى المدرسة خشية أن يصيبها الإرهاق، وكان لهم أسوة في بر الوالدين حيث ما ذكر أمه مرة إلا وفاضت عيناه، حتى بعد مرور خمسين سنة على فقدها، وكان يغضب ويؤنِّب الحفيد الذي يجلس مسترخيًا وأمه تعمل، أو الذي يختار لنفسه مجلسًا أفضل من الذي اتخذته أمه، وكان يحب أن يعتمد كلٌّ منهم على نفسه فلا يكلف أُمَّه أي أمر يستطيع هو عمله، لذلك كان يستعجل في تعليم المهارات التي لا غنى عنها حتى يكفوا بأسهم عن أمهاتهم.
لقد كثرت في هذه الأيام الشكوى من عقوق الأبناء، وفشلت الأمهات في علاج الداء لأن من شَبَّ على شيء شاب عليه، فإن لم يُربَّ الطفل على الطاعة من أول يوم، فلن ينفع معه بعدها أي أسلوب.
عقابٌ واحد رادع في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، يغني المربين عن عشرة، ويضمن لهم البر والطاعة، فإن الحزم مع الأولاد وتشريع العقوبة يتطلَّب كبت العواطف وعدم التراجع وعدم إفساد الحزم بالعاطفة والدلال.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
تقول المؤلفة إن “التربية بالقدوة لا يعادلها تربية، أن يراك طفلك وقد طابقت أقوالك أفعالك، وصرت أنت المبادئ التي تحثُّهم على امتثالها، فلن يضيع الله ذريتك وأنت على الخُلق القويم تسير”.
سيجعلك هذا الكتاب ترى الشيخ علي الطنطاوي من منظور آخر غير الذي اعتدناه، فنحن نعرف على الطنطاوي الداعية والمفكر وعالم الإسلام الكبير، ولكننا لم نره في حُلة الجد العطوف والمُربي الداعم والموجِّه المبدع – الذي جمع بين أوامر الدين ومعاصرة الحياة – إلا هنا على لسان حفيدته، فقد كان لهم تجسيدًا صادقًا عما أرادهم أن يصيروه، ولم يترك موقفًا يمر دون أن يبذر فيهم بذرة خُلُق.
مؤلف كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
عابدة المؤيد العظم: مفكرة إسلامية وباحثة ومؤلفة في الفكر والتربية والفقه والقضايا الاجتماعية، حصلت على ماجستير في الشريعة والتخصص في الفكر الإسلامي عنوان الرسالة “أزمة الهوية” 2016، وهي أستاذة لمادة فقه العبادات وفقه الأسرة والاقتصاد الإسلامي والتربية الإسلامية، وتسعى لنشر الوعي الاجتماعي وإصلاح العلاقات والتربية وفهم المراحل العمرية المختلفة، وهذا ما يبرز في كتبها مثل: “هكذا يفكِّر الصغار”، و”المراهقة وهم أم حقيقة؟”، وكتاب “لئلا يتمرد أولادنا”.