بذل المساعدة من أجل المسنين
بذل المساعدة من أجل المسنين
إن فرصة الإنسان للنجاة من المعاناة في مرحلة الشيخوخة تكمن في العائلة ممثلة في عدد الأبناء والبنات، لكن ولسوء الحظ تزامن مع ظهور مرحلة الشيخوخة زوالُ الأسرة الممتدة، فالأسرة أصبحت تعتمد على مصدرين للدخل، وقد ترتب على ذلك عدم بقاء أي فرد في البيت للعناية بالمسنين في أوقات العمل، فيجد المسنون أنفسَهم بلا حول أو قوة، فلا عائلة تحيط بهم، ولا أبناء يساعدونهم ويخدمونهم، ومن ثمَّ ينتهي بهم المطاف في “بيوت التمريض أو مراكز العناية بالمسنين” التي وجدت وهيئت من أجل راحة ذويهم، وليس من أجل حل مشكلة المسنين، فأبناء المسن وبناته هم الذين يدفعون به إلى هذه الحياة الكئيبة البائسة!
يذكُر “أتول” حالة “لو ساندرز” وهو مسن أرمل كانت سنه ثمانية وثمانين عامًا، لديه ابنة تُدعى “شيلي” متزوجة من “توم”، كان “لو” يتعامل مع الأمور بشكل جيد، ولم يكن يطلب المساعدة من أحد، لكن مع الوقت تبدلت حاله، إذ أصيب بأزمة قلبية، كما أصيب بمرض البَارْكِنْسون، وأصبح يسقط على الأرض بشكل متكرر، كما بدأ يعاني مشكلات في الذاكرة، ما يعني أنه لم يعد يستطيع أن يُدير شؤونه بنفسه، وما يخافه لم يكن الموت، بل أن يموت وحيدًا، فعرضت عليه ابنته “شيلي” أن يزور دور العناية بالمسنين، لكنه رفض ذلك، فوعدته ألا تتركه وحيدًا، وأنها لن تضعه في تلك الدور، وعرضت عليه أن ينتقل للعيش مع أسرتها، فوافق على ذلك
ظن “لو” أن هذه هي حياته الجديدة التي سوف يقضي فيها ما تبقى من عمره، لكن مع مرور الوقت أصبحت “شيلي” ترى أن الاستمرار في هذا الوضع مستحيل، فهي تعمل في النهار، وتعتني بشؤون البيت، وترعى أطفالها عند عودتها إلى المنزل، وفوق ذلك تعتني بوالدها الذي يعتمد عليها بشكل كلّي، لذا اقترحت عليه مرة أخرى أن يزور مؤسسة للعناية بالمسنين يديرها ابن عمها، فنظر إليها والدها متوسلًا، وسألها إن كان في إمكانها ترك العمل والتفرغ له، فأخبرته شيلي وعيناها تذرفان الدموع أنها لم تعد تستطيع أن تقوم على خدمته، لا عاطفيًّا ولا ماديًّا، فوافق والدها وهو مكلوم على الذهاب إلى مؤسسة العناية بالمسنين، ونستنتج من هذه القصة الواقعية المؤلمة أن السعادة يمكن أن تكون شبه مستحيلة إذا وصل الإنسان إلى مرحلة الشيخوخة واحتاج إلى مساعدة الآخرين!
الفكرة من كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
الحياة قبل قرنين من الزمان تختلف عن الحياة الآن، إذ غيَّر التقدم العلمي مسيرتها بشكل كبير، ويظهر ذلك بوضوح في ما يتعلق بأعمار الناس، فالإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين أصبح يعيش فترات أطول وحياة أفضل بالمقارنة بأي وقت آخر، إلا أن هذا التقدم أوجد حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل تتمثل في الشيخوخة، وصارت هي والموت أحداثًا طبية لا يتعامل معها إلا الأطباء، فحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت غالبية حالات الوفاة تتم في المنزل
لكن بحلول الثمانينيات أصبحت 83% من حالات الوفاة تحدث في المستشفيات ودور الرعاية الطبية، والبقية إما يموتون فجأة في منازلهم، وإما لا يتسع الوقت لنقلهم إلى المستشفى، ومن هنا يستعرض المؤلف وجهًا مأساويًّا للحياة يتمثل في أننا نتقدم في العمر، ويكشف عن معاناة من وصلوا إلى سن الشيخوخة، ويُبين الأفكار الخاطئة التي وقع فيها الطب حول نهاية الإنسان المحتومة وطرائق التعامل معها.
مؤلف كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
أتول جواندي: هو طبيب أمريكي من أصل هندي، يعمل جراحًا في مستشفى بريجهام آند وِمِنز في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبروفيسور في كلية الطب في جامعة هارفارد ومدرسة هارفارد تي. إتش. تشان للصحة، فاز بجائزة لويس توماس للكتابة في مجال العلم، كما فاز بجائزة ماك آرثر، وجائزتين من المجلة القومية، من مؤلفاته:
Better
Complications
The Checklist Manifesto
معلومات عن المترجم:
عبد اللطيف الخياط: أديب ومترجم سوري الجنسية، متخصص في الأدب الإنجليزي من جامعة إسطنبول، وعمل في عدَّة جامعات عربية مثل: سورية والأردن والسعودية، وهو متخصص في ترجمة القصص والتربية وتطوير الذات والتاريخ. ومن ترجماته:
علم نفس النجاح.
من يشد خيوطك.