بداية الهِداية
بداية الهِداية
كانت ليلَتُهُ هذِهِ المرة مُختَلِفَة عن غيرها، إذ عَزَم فيها أن يذهب صباح اليوم التالي ليَقتُل مُحَمَّد بن عبد الله، ثم يذهب إلى بني هاشِم فيعترف بما اقتَرَفَهُ، فيقتلوه بِمَن قَتَل، وبهذا ترجع مَكّة إلى سابِق عَهدها!
ولكن القَدَر كان له رأي آخر، إذ إنه حين انطلق مُتوجِّهًا إلى منزل سيدنا رسولِ الله، التقى رجُلًا من بني زُهْرَة أخبره بأن أخته وزوجها قد أسلَمَا، فإذا بعُمَر يُحوِّل طريقهُ إلى بيت أخته ليرى ما الخَطب، وما كان يدري أنه سيخرُج من هذا البيت وهو عُمَر آخر على حالٍ غير الحال التي دَخَل بها.
فلمّا وَصَل سمع صوتيهما يتلوان القرآن، فغضب وطرق الباب بشدة، وحين فُتِحَ لَه، سألَهُما: أصبوتُما؟! ثم بَدَأ بضرب زوج أختهِ ضربًا مُبرحًا، فلما جاءت لتحول بين أخيها وزوجها ضربها هي أيضًا حتى سالَ الدم منها، فلم تهتز مِنها شَعرة، بل ثبتت على إسلامِها، فازداد عجب سيدنا عُمَر!
وفي اللحظةِ نفسها وقعت عيناه على الصحيفة التي كانوا يقرؤون القُرآن مِنها، فأراد الإمساك بها، فازدادت هي ثباتًا ومنعته حتى يتطهر، فلمّا تطهر أمسك الصحيفة، وإذا بآيات سورة طَه تنزل على قلبِه لتُخرِجَ مِنهُ الكُفر وعبودية الأصنام، وتُبدل كل هذا إيمانًا، حتى حُفِر بقلبِه اسم الله الواحِد الأحد، وصار عُمَر، “الرَجُل الذي يُسأل عن التاريخ.. لا لأنه قرأه، بل لأنه صنعه”.
الفكرة من كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
“لَو كَانَ مِن بَعدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ”.. كيف لنا ألا نُصدِّق هذه العبارة في عُمر وقد قالها من لا ينطِقُ عن الهوى؟ قالها فيه رسول الله (ﷺ)، وكان من قبلها قد دعا: “اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَو بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ” فكان أحبُّهما إلى اللهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وإذا بدعوةِ النبي (ﷺ) تنقلهُ من دارِ النَّدوة إلى دارِ الأَرْقَمِ!
لتبقى لنا سيرته خالِدة حتى اليوم دليلًا واقعيًّا يؤكِّد لنا ما قد يفعل الإيمان إذا نزل بقلبِ رَجُلٍ فَتَمَكَّن مِنهُ، فمن ذا الذي كان يُصدِّق أن الرجُل الذي يَصنَع من التمرِ صنمًا ليعبُده، هو نفسه الذي سيكون إسلامه فتحًا، وهجرته نصرًا، وخِلافتهُ رحمة؟ إننا هُنا بصددِ الحديثِ عن عُمَر، عُمَر هازِم كِسْرَى وقَيْصَر، ولكِنّه من قبل ذلك عُمَر صاحِب رسول الله (ﷺ)، وكفى بهذا شرفًا.
مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
أدهم شرقاوي: كاتِبٌ فلسطيني الأصل، وُلِد ونشأ في مدينة “صور” في لبنان، حصل على دبلوم التربية الرياضية ودبلوم المُعلمين من الأونيسكو، وحصل على ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، أُصدِر أول كتاب له عام 2012م، ثم تلاه عديد من المؤلفات، ومنها:
للرجال فقط! مبادئ للتعامل مع النساء.
أنتِ أيضًا صحابية.
رسائل من القرآن.