بداية الصراع بين العلم والدين ووهم دوكينز
بداية الصراع بين العلم والدين ووهم دوكينز
يرى ريتشارد دوكنز أن الانتخاب الطبيعي العشوائي غير الموجه، وهو آلية عمياء لا واعية، هو التفسير الوحيد لجميع المخلوقات الحية الواعية في العالم، وفي سبيل إثباته لهذه الفكرة يتوجه بالنقد إلى بعض الحجج التي تعارض الانتخاب الطبيعي العشوائي غير الموجه، لكنه في الوقت نفسه يتعامى عن بعضها الآخر، مثل حجة “جون لوك” التي جاء فيها: “يستحيل قبول فكرة إنتاج المادة غير الواعية للمخلوقات العاقلة، كما يستحيل أن يخلق المادةَ العدمُ”، وعوضًا عن النظر في هذه الحجة القوية، يركز دوكنز على إبطال بعض الحجج البيولوجية، مثل أن الانتخاب الطبيعي يعجز عن إنتاج التراكيب الحيوية العجيبة كأعين الثديِيَّات أو الأجنحة!
بيد أن هناك سؤالًا كبيرًا مكونًا من ثلاثة أسئلة صغيرة، وهو: هل في مقدرة الانتخاب الطبيعي تفسير كل ما في عالم الأحياء من عجائب كالعين البشرية؟ يجيبنا دوكنز بـ”نعم”، بشرط وجود سلسلة كبيرة مستمرة من الأفراد تربط ما بين العين البشرية الحالية وحالة سابقة لا توجد بها عين، السؤال الثاني: هل يمكن أن ينشأ الفرد من سابقه في السلسلة نتيجة طفرات عشوائية؟ يجيبنا دوكنز أنه يشعر أن الطفرات العشوائية في إمكانها ذلك في حال كانت المسافة الفاصلة بين الفرد وسابقه في السلسلة صغيرة، السؤال الثالث: هل يمكن أن يعمل كل فرد في السلسلة بكفاءة تجعله يحافظ على سلامة وتكاثر المخلوقات الحية في السلسلة؟ يجيبنا دوكنز بـ”نعم”، وأنه يشعر بصواب مقالته.
ومن الملاحظ أن إجابات دوكنز عن السؤالين الثاني والثالث لا تتعدى أن تكون مجرَّد مشاعر وتخمينات، ومن ثمَّ فهي إجابات غير مقنعة، وفي ما يخص إجابته عن السؤال الأول، فإن كثيرًا من العلماء مثل مايكل بيهي وبرايان جودوين يرون أنه من الصعوبة بمكان أن توجد مثل هذه السلسلة، ومن ثمَّ يتبين لنا أن حجة دوكنز واهية ضعيفة جدًّا، وبناءً على ذلك يقف المؤيد لآلية الانتخاب الطبيعي العشوائي عاجزًا أمام تفسير هذا العالم المعقد وتصميمه الذي يأخذ الألباب والعقول، أما المؤمن بوجود إله فلديه حرية أكبر، إذ يمكن للإله خلق هذا العالم بتصميمه البديع بطرائق شتى، كالخلق المباشر أو بالتطور الموجه غير العشوائي، ومن ثم فإن المؤمن أكثر تقبلًا للدليل العلمي من الملحد، ومن ثمَّ ليس هناك أي تعارض بين العلم والدين في هذه المسألة، بل مجرد تعارض سطحي.
الفكرة من كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
بدأ الصراع الحقيقي بين العلم والدين في منتصف القرن التاسع عشر في مجال علم الأحياء، وبالتحديد حول نظرية التطور التي وضعها دارون، ومنذ تلك اللحظة يرى كثير من المؤمنين بالإله أنها نظرية تتعارض مع الاعتقاد الديني الخاص بأصل الجنس البشري، كما أن كثيرًا من الدارونيين يوافقونهم على ذلك من منطلق أن التطور الدارويني لا يتفق مع الإيمان بالله مطلقًا، وبناءً على هذا الادعاء الذي تبناه لاحقًا كل من ريتشارد دوكنز ودانيال دينيت، أصبح الكثيرون يقرون بالتعارض بين العلم والدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يتعارض العلم حقًّا مع الدين؟ يجيبنا المؤلف بأن التعارض المزعوم هو تعارض سطحي ناتج عن الميتافيزيقا المتضمنة في العلم وليست منه، ويبين ذلك من خلال عرض القضايا محل النزاع والرد عليها بأسلوب منطقي علمي رصين.
مؤلف كتاب العلم والدين والطبيعانية.. أين يقع التعارض؟
ألفن بلانتنجا: هو واحد من أشهر الفلاسفة المدافعين عن الدين ضد الإلحاد، درس بجامعة هارفارد، ونال درجة الدكتوراه من جامعة ييل، وهو زميل الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وحصل على جائزة نيكولاس ريشر للفلسفة المنهجية عن بحث بعنوان “الدين والعلم.. أين يكمن التعارض حقًّا”، من مؤلفاته:
God, freedom and evil.
God and Other Minds.
Knowledge of God.
Does God have a nature?
معلومات عن المترجم:
يوسف العتيبي: هو مترجم متخصص في ترجمة الكتب والمقالات الفلسفية.