باب صغير
باب صغير
الصدق هو أول كلمة في قاموس الصداقة بين البشر وجوهرها، ونادرًا ما تجده في علاقاتهم، والخطأ هو فهم أن الصداقة فقط لقضاء الأوقات المسلية وتبادل الأحاديث دون أن تتقمَّص صديقك، تشعر بما يشعر به،وتتألم كما يتألم، لأنكما روح واحدة في جسدين، تتنفسان نفسًا واحدًا وتتشاركان في كل شيء، علاقتكما في الله وبالله لأنكما أخوان قبل أن تكونا صديقين، وكلٌّ منكما مسؤول عن الآخر.
والأخوَّة في الله هي البعد الأرقى والأسمى في تلك العلاقة، بحيث تجد نفسك تعاني ألم المخاض كما عانت أمك وهي تلد لك أخًا وكلمة (أخ) هي أصدق كلمة في العلاقة بينكما، لذا كان الكاتب يتألم من أثر لسعة السياط على ظهره كلما تذكر صديقه عندما وقع في معصيتة الأولى والتي بسببها فُتحت أبواب لمعاصٍ أخرى متنوِّعة استمرت سبعة عشر عامًا، وهو يحكي معه بعض التفاصيل عنها، وقد تخونه ذاكرته لكونه يريد أن يعرف المزيد والمزيد، ويتخيَّل أشياء ربما لم تكن من الأساس موجودة قد نسيها صاحبها أصلًا.
وعندما يقع الإنسان في المعصية الأولى له بعد أن خانته فطرته السليمة يواجه أمرين وكلاهما يحتاج لمجاهدة أكبر وأعظم، فإما أن يغلق الباب ويتوب عن فعلته وإما أن يقع في الفخ المنصوب له من قبل الشيطان، فهذه المعصية هي باب صغير لأبواب أخرى قد تغير مجرى حياته بالكامل إما كسيل عارم يغرق فيه، وإما كسد منيع يقف شامخًا كالأسد، كما أنها تترك بصمتها وإن تعدَّدت المعاصي بشهواتها ولذاتها وتبقى كشبح يراود صاحبها حتى تصبح جزءًا أصيلًا من شخصيته تنتصر على ذاكرته وذكرياته حتى وإن تاب وإن طال الزمان، بابٌ صغير قد لا تراه بعينيك المجردتين، ولكنه يفتح أبوابًا يعجز عن صدها سور الصين العظيم، هوة تسقط في داخلها إثر زلة قدميك… معصية أولية لا تنسى أبدًا.
الفكرة من كتاب يوم.. شهر.. سنة
يمتلك الإنسان ذكريات قد ينساها تارة ويتذكرها تارة أخرى، والبعض منها لها تفاصيل في نفسه مؤلمة للغاية كلما رجع أو تطرَّق إليها لها بصمة خاصة ملعونة لا تفارق صاحبها كالقرين تذبحه وتلاحقه، وتخرجه عن طوره الطبيعي؛ تذهب إليه وتتملَّك منه وإن ابتعد عنها، كم هي مؤلمة هذه الذاكرة!
مؤلف كتاب يوم.. شهر.. سنة
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي ولد في بغداد عام 1970، ويعود نسب أسرته إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أنه تأثر بفكر مالك بن نبي.
ومن مؤلفاته: “ليلة سقوط بغداد”، و”ألواح ودسر”، و”طوفان محمد”، و”شيفرة بلال”.