بأسُهم بينهم شديد
بأسُهم بينهم شديد
بإلقاء نظرة سريعة داخل المجتمع الإسرائيلي الوليد، نرى تناقضًا حضاريًّا عميقًا بين المهاجرين الشرقيين المعروفين بالسفارديم والمهاجرين الغربيين المعروفين بالأشكنازيم، فبينما شكلت إسرائيل إنجازًا للتراث الديني اليهودي بالنسبة إلى السفارديم، شكلت بالنسبة إلى الأشكنازيم نبذًا لماضيهم اليهودي الذي أذلهم في الجيتو الأوربي، لذلك ازدروا كل ما يذكرهم بالمعتقدات والسلوكيات اليهودية التي تركوها وراءهم في الجيتو، ولأن السفارديم شديدو التمسك بتلك المعتقدات، فقد وقع عليهم الازدراء الأشكنازي، فأدى ذلك إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي على نفسه.
لذلك حاول صناع القرار أن تكون الصهيونية هي البوتقة التي ينصهر فيها ذلك كله وأملت في إذابة الفروقات بين اليهودية والصهيونية والإسرائيلية رغم أن الواقع يخبرنا بعكس ذلك، فقد بلغ عدد اليهود في السبعينيات 13 مليونًا، بينما لم يضم المجتمع الإسرائيلي حينئذٍ سوى خمسة ملايين شخص، إذًا ليس كل يهودي إسرائيليًّا، وليس كل إسرائيلي صهيونيًّا أيضًا، فقد ظهرت جماعات داخل إسرائيل تناهض الفكر الصهيوني منها جماعتا ناطوري كارتا والماتزين.
غير أن هناك ما يمكن اعتباره مشتركًا لدى كل اليهود خصوصًا الأشكنازيم منهم، وهو الشعور بالاضطهاد والدونية وفي الوقت نفسه الشعور بالاستعلاء والتميز، ورغم تناقض السمتين فإنهما أسهمتا بشكل كبير في صياغة التكوين السيكولوجي اليهودي ولاحقًا الصهيوني.
فقد روج الصهاينة فكرة الاضطهاد اليهودي بكل ما أوتوا من قوة، ليس فقط للمحارق النازية والعنصرية الأوربية، بل روجوا أيضًا الرأي القائل إن اليهود هم سبب كل الشرور في العالم، ورغم غرابة الأمر فإن ذلك دفع الناس إلى تصديق الاضطهاد الذي وقع على اليهود أكثر وأكثر بعد إسناده إلى سبب منطقي.
الفكرة من كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
يحكي الكتاب باختصار تاريخ الشخصية اليهودية من ثقافة الجيتو | Ghetto التي فرضت عليها العزلة عن باقي المجتمعات، ثم التمرد على تلك الثقافة والمحاولة الفاشلة للتماهي في المجتمع لتتمخض عن ظهور حركة الصهيونية.
سعت الحركة الصهيونية إلى إقناع اليهود أن العالم شرير وأن العزلة هي الحل الأمثل لحماية الشعب اليهودي المختار من براثنه، لذلك انتهجت سياسة تعسفية تجاه مواطنيها عمدت إلى إنشاء الكيبوتسات لعزل الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم لتتأكد أن القومية الإسرائيلية لن تحل محل القومية اليهودية، ومن ثم لن يسعى أي جيل يهودي إلى السلام.
مؤلف كتاب سيكولوجيا المحارب الإسرائيلي: هكذا يفكرون.. هكذا يستعدون
أسامة عكنان: كاتب وباحث سياسي فلسطيني أردني، وُلد في مدينة نابلس عام 1970م، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة عام 2003م، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا في قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الأردنية، اشتهر بكتاباته النقدية للفكر الصهيوني والسياسة الإسرائيلية، وقد نشر عديدًا من الكتب والمقالات في هذا المجال، منها:
الفكر الصهيوني: جذوره وتطوره.
إسرائيل: القوة والضعف.