انهيار الجسد حقيقة لا مفر منها
انهيار الجسد حقيقة لا مفر منها
أسهم التقدم الطبي في علاج كثير من الأمراض التي كانت تُعد قاتلة في الأزمنة الغابرة، كما أدى التحسن في الصحة العامة إلى الأمر نفسه، وقد ساعد ذلك على أن يعيش الناس لسنوات طويلة أكثر من أي وقت مضى، وأصبح الجميع مهددين أن يعيشوا مرحلة الشيخوخة، ما يعني أننا سوف نحتاج إلى المساعدة في يومٍ من الأيام، تلك المساعدة التي يراها الكثيرون علامة من علامات الضعف بدلًا من اعتبارها الوضع الطبيعي الجديد، فكثيرًا ما نسمع قصصًا ترويها وسائل الإعلام عن عجوز بلغ من العمر السبعين أو الثمانين يركض في الماراثونات ويمارس ألعاب القوى، وتسلط عليه الأضواء باعتبار أن هذا ما يجب أن يكون عليه الإنسان مهما تقدم في العمر، لكن من الناحية العلمية تندرج هذه الحالات ضمن المعجزات البيولوجية غير الطبيعية!
فالطبيعي والمعقول أن أسناننا وعظامنا تُصاب مع تقدم العمر بالهشاشة، وتضعف الرؤية والسمع، وتُصاب الشرايين بالتصلب، ويضعف الجسد، ومع ذلك فإن غالبية الناس يتجنبون البحث في فترة العجز المرتبطة بالشيخوخة، ويبحثون بدلًا من ذلك عن كيفية الحصول على شباب دائم، متجاهلين التفكير في نوعية الحياة التي سيواجهونها عندما يصلون إلى مرحلة الشيخوخة دون رفيق، إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر الطاعنين في السن يعيشون دون زوج أو زوجة أو عائلة ترعاهم!
والذي يبعث على القلق أن الطب بطيء جدًّا في مواجهة التغيرات التي حدثت بفعله، فرغم تزايد عدد المسنين، فإن الأطباء المتخصصين في الشيخوخة قليلون جدًّا، كما أن برامج التدريب على العناية بكبار السن تنخفض بشدة، بينما في المقابل تتزايد برامج التدريب في تخصصات الجراحة التجميلية، والسبب في ذلك راجع إلى التركيز على الناحية المادية، فالدخل الناتج عن أمراض الشيخوخة وطب العناية بالمسنين قليل جدًّا بالمقارنة بجميع تخصصات الطب الأخرى، كما أن كثيرًا من الأطباء لا يحبون العناية بالمسنين، لأن المسن لا يواجه الطبيب بمشكلة واحدة، بل يفاجئه بعشرة، أو خمس عشرة مشكلة كلها ذات أهمية.
ومن ثم فإن ما يحتاج إليه الطبيب عند تعامله مع المسنين هو أن ينتبه للجسم وتغيراته، لا مجرد الانتباه لوضع التغذية والأدوية التي يتناولها المريض، لأن أكثر ما يخافه المسنون هو ما يحدث قبل الموت، وليس الموت ذاته، ويتمثل ذلك في فقدان القدرة على السمع، وضعف الرؤية، وفقدان الذاكرة، وفقدان طريقة الحياة التي عاشوها.
الفكرة من كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
الحياة قبل قرنين من الزمان تختلف عن الحياة الآن، إذ غيَّر التقدم العلمي مسيرتها بشكل كبير، ويظهر ذلك بوضوح في ما يتعلق بأعمار الناس، فالإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين أصبح يعيش فترات أطول وحياة أفضل بالمقارنة بأي وقت آخر، إلا أن هذا التقدم أوجد حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل تتمثل في الشيخوخة، وصارت هي والموت أحداثًا طبية لا يتعامل معها إلا الأطباء، فحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت غالبية حالات الوفاة تتم في المنزل
لكن بحلول الثمانينيات أصبحت 83% من حالات الوفاة تحدث في المستشفيات ودور الرعاية الطبية، والبقية إما يموتون فجأة في منازلهم، وإما لا يتسع الوقت لنقلهم إلى المستشفى، ومن هنا يستعرض المؤلف وجهًا مأساويًّا للحياة يتمثل في أننا نتقدم في العمر، ويكشف عن معاناة من وصلوا إلى سن الشيخوخة، ويُبين الأفكار الخاطئة التي وقع فيها الطب حول نهاية الإنسان المحتومة وطرائق التعامل معها.
مؤلف كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
أتول جواندي: هو طبيب أمريكي من أصل هندي، يعمل جراحًا في مستشفى بريجهام آند وِمِنز في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبروفيسور في كلية الطب في جامعة هارفارد ومدرسة هارفارد تي. إتش. تشان للصحة، فاز بجائزة لويس توماس للكتابة في مجال العلم، كما فاز بجائزة ماك آرثر، وجائزتين من المجلة القومية، من مؤلفاته:
Better
Complications
The Checklist Manifesto
معلومات عن المترجم:
عبد اللطيف الخياط: أديب ومترجم سوري الجنسية، متخصص في الأدب الإنجليزي من جامعة إسطنبول، وعمل في عدَّة جامعات عربية مثل: سورية والأردن والسعودية، وهو متخصص في ترجمة القصص والتربية وتطوير الذات والتاريخ. ومن ترجماته:
علم نفس النجاح.
من يشد خيوطك.