انهيار الإسكولائية الإسلامية
انهيار الإسكولائية الإسلامية
أصبح التعليم المدرسي التقليدي القائم على التخصُّص والتلمذة، والذي استمر طوال ثمانية قرون يتداعى، ففي فترة احتلال بريطانيا لشبه القارة الهندية قامت بإنشاء “كلية” متواضعة لتعليم اللغة الإنجليزية، لتأهيل الهنود ليتولَّوا الوظائف الحكومية، وتفشَّت وانتشرت تلك الكليات، وكانت النتيجة تخريج “أشباه متعلمين لا يمكن الاعتماد عليهم”، حيث كانوا يتعلَّمون تعليمًا هشًّا متواضعًا لا يساوي التعليم الذي يتلقَّاه نظراؤهم في أوروبا، وأصبح هؤلاء الخريجون لا يريدون سوى الاشتغال بالأعمال المكتبية، كما يرون أن أي عمل آخر معناه الحط من قدرهم! تلك المشكلة كما يرى جون لا حلَّ لها في العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت إلى اليوم، فالجميع يريد الالتحاق بالوظائف الحكومية وحسب!
وعندما نشر غوتليب كتابه “التعليم الأهلي في البنجاب” عام 1882م، ذلك الكتاب الذي يعد منجمًا من المعلومات، تبين أنه كان يوجد في البنجاب “سبعة أنظمة من التعليم” قبل الاحتلال البريطاني لها، منها “مدارس أولية وعالية” تعتمد اللغة العربية والفارسية ذات نظام إسكولائي، و”مدارس أرستقراطية خاصة” تعتمد اللغة الفارسية وتخرِّج النخب، وبقية الأنظمة لا تختلف عنهما كثيرًا، وأوضح “غوتليب” في كتابه أن تلك الأنظمة السبعة للتعليم لم يكن بينها وبين التعليم الأوروبي في ذلك الوقت أدنى فرق.
وأوضح كذلك أن التعليم الذي استحدثه البريطانيون في البنجاب -والذي كان يتضمَّن مناهج إنجليزية متواضعة- وضع حاجزًا بين الطلاب ووالديهم وأقاربهم وأصدقائهم، فأصبح هؤلاء الطلاب غير المؤهلين، أشباه متعلمين، ومصدر قلق وإزعاج لكل من يعنيهم الأمر، وعلى نفس المنوال استبدلت النظم التعليمية المحلية في الدول التي خضعت للاحتلال الأوروبي وحل محلها ذلك النظام التعليمي الهش الوضيع، حتى الدول التي لم تُحتل لجأت إلى تحويل أنظمتها التعليمية إلى هذا النظام الأوروبي!
الفكرة من كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
يسلِّط جون والبريدج، من خلال كتابه هذا، الضوء على التراث الإسكولائي الإسلامي (التراث العقلي المدرسي في العصر الوسيط)، ليتبيَّن أن العقل كان له دور محوري ومركزي في الحياة الفكرية الإسلامية، ويرى أن هذا التراث جديرٌ بالتأمل والنظر، إذ إنه على مدى التاريخ الإسلامي تمَّت العناية به، بل ولا تزال المعاهد الدينية (كالأزهر الشريف في مصر، وقم في إيران، والنجف في العراق) إلى اليوم تولي هذا التراث الذي قام على التلمذة والتخصُّص وانطوى على آلاف من الأذكياء والنابهين العناية الكاملة والعكوف عليه.
كما يذهب جون إلى أن كلًّا من الأصوليين والحداثيين اتفقوا على معارضة هذا التراث الإسكولائي، مما ساعد على انهيار الحياة العقلية الإسلامية التي استمرت لقرون، وتم استبدالها أنماطًا من التفكير غاية في الضحالة والهوان، ورغم ذلك يرى أن هذا التراث الفكري الإسلامي الوسيط سيُبعث من جديد ليكون من الأعمدة التي يقوم عليها مستقبل الإسلام.
مؤلف كتاب الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل
جون والبريدج John Walbridge: أستاذ لغات الشرق الأدنى وثقافاته في جامعة إنديانا، ألَّف تسعة كتب عن الإسلام والثقافة العربية، منها أربعة كتب في الفلسفة الإسلامية وحدها، تُرجم منها إلى العربية كتاب: “الله والمنطق في الإسلام.. خلافة العقل”.