انقطاع عن الصلاة
انقطاع عن الصلاة
تعلم صاحبه الصلاة من صغره من نفسه وبنفسه دون مساعدة من أهل بيته حتى أنه إذا أتى ضيف إلى البيت ينادونه ليعرِّفه اتجاه القبلة يصلِّي منفردًا دون إلزام خارجي ودون الانضمام إلى الجماعة ذات الحصن المنيع، ولكن في لحظة ضعف وانقياد لشهواته تمكَّن الشيطان من قلبه فانقطع عن صلاته، وأعدَّ عدَّته فغيَّر مجرى حياته، فمن مصلٍّ للفروض في أوقاتها إلى مَن وقع في الزنا وشرب الخمور، وكم من تربُّص ننفذ نحن منه؟
ترتيب طبيعي ومنطقي لقلب ميت تمادى في غفلته وأغلق باب قلبه عن نور ربه وحبس نفسه في بئر المعاصي والكبائر، فقد قالى تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾، معادلة محسومة حقًّا، عليه غمامة لا يراعي مراقبة الله في قلبه وضميره وذكره، لذلك وقع فريسة مستساغة للشيطان حتى يأتي يوم عما قريب فيندم فيه ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾، ولكنها أمنية متأخرة جدًّا بعد فوات الأوان.
هناك ملايين من البشر يصلُّون صلاة متقطعة، فردية، متأخرة ليس إلا حركات روتينية أشبه بالطفل السوداني المتضوِّر جوعًا وعطشًا وهو زاحف على الأرض ليصل إلى مخيم اللاجئين، وأمامه كيلومتر واحد فقط ليصل إليه، بينما على الجانب الآخر ينتظره طائر كاسر ليموت ويصبح جيفة ليأكله، هكذا هم من يزحفون ببطء من أجل النجاة من النار على طريق خاطئ حيث لا علاقة لهم بالله سوى صلاة ممزوجة بين السهو والغفلة والطائر شيطان كاسر ينتظر فريسته حتى تسقط تلفظ أنفاسها الأخيرة لينقضَّ عليها ويفترسها مورثًا إياها موتًا محققًا نتيجة البعد عن الله، فهم أحياء وقلوبهم تنبض ببطء في سكتة روحية ليست موتًا بيولوجيًّا ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾.
سيناريو مكتوب لكلِّ البشر ينجو منه من عرف مصيره في النهاية، ومن يراقب الله في كل كبيرة وصغيرة، ولكن المحزن حقًّا أن من يسقط هم أحب الناس إلى قلوبنا زلَّت أقدامهم وتعلَّقوا بغفلتهم وزحفوا بها إلى بئر عميق.
الفكرة من كتاب يوم.. شهر.. سنة
يمتلك الإنسان ذكريات قد ينساها تارة ويتذكرها تارة أخرى، والبعض منها لها تفاصيل في نفسه مؤلمة للغاية كلما رجع أو تطرَّق إليها لها بصمة خاصة ملعونة لا تفارق صاحبها كالقرين تذبحه وتلاحقه، وتخرجه عن طوره الطبيعي؛ تذهب إليه وتتملَّك منه وإن ابتعد عنها، كم هي مؤلمة هذه الذاكرة!
مؤلف كتاب يوم.. شهر.. سنة
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي ولد في بغداد عام 1970، ويعود نسب أسرته إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أنه تأثر بفكر مالك بن نبي.
ومن مؤلفاته: “ليلة سقوط بغداد”، و”ألواح ودسر”، و”طوفان محمد”، و”شيفرة بلال”.