انتهاء التجربة والنتائج التي كشفت عنها
انتهاء التجربة والنتائج التي كشفت عنها
بعد مرور أسبوع من التجربة عُقدت جلسة برئاسة “تيم. ب” وهو محامٍ عام محلي، للاستماع إلى السجناء، وبعد أن استمع إليهم شكرهم، وأخبرهم أنه سوف ينظر في خروجهم من السجن بكفالة، فصاح السجناء فيه أنهم يريدون الرحيل الآن، وأنهم لن يصمدوا لأسبوع آخر، فأخبرهم “تيم” أن تلك هي حدود وظيفته، فأصيب السجناء بالإحباط وخيمت عليهم الكآبة، وقبل مغادرتهم قال لهم: “لقد انتهت التجربة ولديكم حرية المغادرة الآن”، لم يتجاوب السجناء مع “تيم” ولم يبدوا أي رد فعل، لاعتقادهم أن ما يقوله جزء من التجربة، فدخل عليهم “زيمباردو” وقال لهم: “لقد انتهت التجربة رسميًّا…”، وقبل أن ينهي كلامه حلَّ الفرح محل الكآبة، وكانت لحظة سعيدة للجميع.
أظهرت تجربة سجن ستانفورد قدرة تفسيرية عالية للتأثير السام للأنظمة السيئة والظروف السيئة في جعل أفراد صالحين يتحولون إلى أشرار، وأوضحت أن الحاجز بين الخير والشر قابل للاختراق، فلا يمكن لأحد أن يقول إن أيًّا من السجناء أو الحرَّاس كانوا تفاحات فاسدة، فلم يكن لأي منهم سجل إجرامي، وكانوا منضبطين وحسني السير والسلوك، ومن ثمَّ كان من المنطقي استنتاج أن الاعتلالات التي ظهرت خلال التجربة كانت نتيجة المؤثرات الظرفية داخل السجن، ما يعني أنه في الإمكان استدراج الأشخاص الصالحين وحثهم على ارتكاب السلوكيات الشريرة.
وبناءً على ذلك علينا أن ندرك أن خرافة العصمة من المؤثرات الظرفية تُسهل من فرص وقوعنا في الخطأ بسبب عدم الحذر بشكل كافٍ، لذا علينا أن نتخلّى عن المفاهيم السطحية حول الذات الصالحة القادرة على السيطرة على المواقف الفاسدة، وأن نأخذ في الحسبان أن أي شيء يفعله البشر ليس غريبًا على أحد، فأي فعل فعله أي إنسان مهما بلغت بشاعته، يمكن أن نفعله إذا تعرضنا للمؤثرات الظرفية نفسها التي تعرض لها، ولا يعني ذلك تبرير الشر أو الدفاع عن من يقوم به، بل هو نشر للحيطة والحذر.
الفكرة من كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
إذا ارتكب أي فرد فعلًا شائنًا أو ارتكب أي جريمة، فعلى الفور تتوجه أصابع الاتهام إلى طبيعته الإنسانية وجيناته وطباعه وميوله وفقًا للتفسير النزوعي، لكن زيمباردو يعارض هذا التفسير، ويستعيض عنه بالتفسير الظرفي للسلوكيات البشرية، إذ يرى أن الضغوط والقوى الظرفية والمواقف التي يتعرض لها الإنسان لها قدرة كبيرة على التأثير في سلوكه، ومن ثمَّ فهو يؤكد على أن الامتثال للمجموعة والانصياع للسلطة يمكن أن يهيمن على روح المبادرة في الفرد ويدمرها، وبين ذلك من خلال تجربة “سجن ستانفورد“
تلك التجربة التي كشفت لنا كيف يمكن لبشر عاديين وصالحين -قد نكون أنا وأنت منهم- أن يسقطوا ويرتكبوا أفظع الجرائم، ويقوموا بأفعال فاسدة ومؤذية ضد الآخرين، لذا فهو يقترح تبني نموذج الصحة العامة بدلًا من نموذج معالجة المرضى، ويؤكد على أن فهم دور الموقف والنظام في توجيه سلوك الفرد لا يعني إعفاءه من مسؤولية التورط في أفعال شريرة أو غير أخلاقية أو غير قانونية، ومن ثم فإن الكتاب محاولة لفهم سلوكيات البشر الشريرة، وليس تبريرًا لأفعالهم.
مؤلف كتاب تأثير الشيطان.. كيف يتحول الأخيار إلى أشرار؟
فيليب زيمباردو: هو أستاذ علم النفس المتقاعد بجامعة ستانفورد، وسبق له التدريس في العديد من الجامعات الأمريكية، تولى منصب رئيس جمعية الطب النفسي الأمريكية، وهو مدير مركز ستانفورد للسياسات الانضباطية والتعلم وأبحاث الإرهاب، ومن مؤلفاته:
The Shy Child: Overcoming and Preventing Shyness from Infancy to Adulthood
Shyness: What It I, What to Do About It
Psychology and Life
معلومات عن المترجم:
هشام سمير عناية الله: هو مترجم وباحث مصري، تخرج في كلية اللغات والآداب بجامعة ميلانو بإيطاليا، وتخصص في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن ترجماته:
مختصر تاريخ الجنس البشري.
الحرب الهادئة.. مستقبل التنافس العالمي.
بنات إبراهيم، الفكر النسوي في اليهودية والمسيحية والإسلام.