انتقال الورق وصناعته إلى أوروبا وظهور الطباعة
انتقال الورق وصناعته إلى أوروبا وظهور الطباعة
لا توجد أي أدلّة على أنَّ البيزنطيين صنعوا الورق بأنفسهم، بل اقتصروا على استيراد الورق من العالم الإسلامي في غرب آسيا، وأضحى الورق هو حامل الكتابة الرئيس في الإمبراطورية البيزنطية بحلول النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، بينما على النقيض، فإنَّ النصارى في الأندلس استخدموا الورق بحماس في ظل الخلافة الأموية في الأندلس، وعندما استولى النصارى الإسبان على مناطق أوسع في الأندلس زاد استخدامهم للورق، بينما عرفت إيطاليا الورق عن طريق الورق الذي أدخله المسلمون إلى صقلية، وعلى عكس العالم الإسلامي الذي كان انتشار الورق فيه وصناعته سريعًا، فإن صناعة الورق كانت أبطأ كثيرًا في انتشارها في أوروبا، فصناعة الورق لم تبدأ في انجلترا حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
أدَّى انتشار الورق في أوروبا إلى زيادة استخدامه وهجر ورق البردي والرَّق، نتيجة توافر المواد الخام التي صُنع منها، ومن ثمَّ لو لم يتوسَّط المسلمون بين الشرق والغرب لجهِلَ الأوروبيون الورق وكذلك سائر الاختراعات الأخرى حتى القرن السادس عشر الميلادي، وهي الفترة التي وصل فيها البحارة الأوروبيون إلى موانئ الشرق الأقصى، وكذلك لو لم تعرف أوروبا الورق لما اعتمدت المطبعة التي اخترعها جوتنبرج من طراز الأحرف المتحركة إلا على الرَّق الباهظ الثمن، ومن ثمَّ لم يكن ليتوسَّع جمهور القرَّاء على نحو ثوري كالذي جرى في أعقاب ظهور الطباعة على الورق.
لقد بحث العلماء تردُّد المجتمعات الإسلامية في تبنِّي تقنية الطباعة ونشرها، وفسروا ذلك بطرقٍ عدَّة من بينها تفسير عِلمي يشير إلى أن تقاليد الكتابة العربية فريدة، لأن حروفها تكتب دائمًا متصلة، إذ يجب أن تتصل الحروف داخل كل كلمة، اللهم إلا استثناءات يسيرة، كما أن الحرف العربي يتميَّز بأشكال مختلفة في أول الكلمة ووسطها وآخرها، وهذا على العكس من اللغات الأخرى التي تُكتب كلماتها بحروف منفصلة، ومن ثمَّ تطلبت الطباعة بالخط العربي مستوى عاليًا للغاية من المهارة في قصّ القوالب لتقليد الخط العربي، فشكَّل ذلك صعوبة، ومع ذلك فإن المسلمين طبعوا ونسخوا الكتب منذ القرن الرابع الهجري باستخدام الطباعة بالقالب، ما يعني أن المسلمين عرفوا أشكالًا أخرى من الطباعة، واستخدموها للاستكثار من النُّسخ، ومن ثمَّ يمكننا القول: إن العالم الإسلامي عرفَ كثيرًا من تقنيات الطباعة قبل أن يولد جوتنبرج مكتشف الطباعة، وعلى رأسها الطباعة بالقالب.
الفكرة من كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
يتحدث الكاتب عن الكتابة وحوامل الكتابة منذ أن بدأ الإنسان التدوين، وصولًا إلى اختراع الورق وفضل المسلمين في تطوير تقنيات صناعة الورق ونقلها إلى جميع ديار الإسلام ومنها إلى أوروبا، كما جادل الكاتب في أن اختراع المطبعة على يد جوتنبرج ما كان ليُجدي نفعًا لو استخدمت آلته في الطباعة على الرَّق المصنوع من جلود الحيوانات، لأن تكلفة طباعة الكتاب على الرَّق كانت تساوي تقريبًا تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد، ومن ثمَّ كان العالم سيستغرق وقتًا طويلًا ليدرك فوائد المطبعة، لو لم يُعرف سرّ صناعة الورق على أيدي المسلمين.
مؤلف كتاب قصة الورق … تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة
جوناثان بلوم : هو مؤرِّخ وأستاذ فنون أمريكي، عمل أستاذًا مزدوجًا في جامعة نورمان جان كالديروود للفنون الإسلامية والآسيوية في كلية بوسطن، كما عمل محاضرًا في جامعة هارفرد، حاصل على بكالوريوس الآداب في تاريخ الفن من جامعة هارفرد، كما حصل على ماجستير الآداب في تاريخ الفن من جامعة ميتشيغان، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة في تاريخ الفن ودراسات الشرق الأوسط من جامعة هارفرد عن أطروحته “المعنى في العمارة الفاطمية المبكرة”، من كتبه:
Islamic Arts.
Islam: A Thousand Years of Faith and Power.
The Minbar from the Kutubiyya Mosque.
معلومات عن المترجم:
الدكتور أحمد العدوي: هو باحث ومؤرِّخ مصري، مُتخصِّص في التاريخ الإسلامي، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الآداب من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة، وقد عمِل باحثًا ومحاضرًا بجامعتي القاهرة والأزهر في مصر، ويعمل حاليًّا أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية بكلية الإلهيات بجامعة (ÇOMÜ) بتركيا، من ترجماته:
جيش الشرق: الجنود الفرنسيين في مصر ١٧٩٨-١٨٠١.
نشأة الإنسانيات عند المسلمين وفي الغرب المسيحي.